للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعتباري ذهني ليس له وجود في الخارج (١).

ثالثاً: أن اتصاف الذات بصفاتها اللازمة لها لا يسمى تركيباً ولا يقتضي تعدداً لغةً ولا شرعاً، "وإنما هي ذات قائمة بنفسها مستلزمة للوازمها التي لا يصح وجودها إلا بها؛ وليست صفة الموصوف أجزاء له ولا أبعاضاً يتميز بعضها عن بعض أو تتميز عنه؛ حتى يصح أن يقال هي مركبة منه " (٢). قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «وأما تسمية الواحد الموصوف بصفاته مركباً كتسمية الحي العالم القادر الموصوف بالحياة والعلم والقدرة مركباً فهذا اصطلاح لهم لا يعرف شيء من الشرائع ولا اللغات ولا عقول جماهير العقلاء جعلوا هذا تركيباً» (٣).

رابعاً: أننا لو سلمنا بتسمية هذا الأمر تركيباً، فإن هذا التركيب لا يلزم منه الحدوث والإمكان. قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «لو فرض أن هذا يسمى مركباً: فليس هذا مستلزماً للإمكان ولا للحدوث. وذلك أن الذي علم بالعقل والسمع أنه يمتنع أن يكون الرب تعالى فقيراً إلى خلقه؛ بل هو الغني عن العالمين، وقد علم أنه حي قيوم بنفسه وأن نفسه المقدسة قائمة بنفسه وموجودة بذاته وأنه أحد صمد غني بنفسه ليس ثبوته وغناه مستفاداً من غيره وإنما هو بنفسه لم يزل ولا يزال حقاً صمداً قيوماً، فهل يقال في ذلك إنه مفتقر إلى نفسه أو محتاج إلى نفسه؛ لأن نفسه لا تقوم إلا بنفسه؟ فالقول في صفاته التي هي داخلة في مسمى نفسه هو القول في نفسه. فإذا قيل صفاته ذاتية، وقيل إنه محتاج إليها، كان بمنزلة قول القائل إنه محتاج إلى نفسه، فإن صفاته الذاتية هي ما لا تكون النفس بدونها. وكذلك إذا قلنا: ذاته موجبة لوجوده، أو هو واجب بنفسه، أو هو مقتض لوجوبه. فلو قال قائل: يلزم أن يكون معلولاً، والمعلول مفتقر، قيل له: ليست العلة هنا غير المعلول والمنتفي افتقاره إلى غيره وكونه معلولاً لسواه. وأما قيامه بنفسه فحق.


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٦/ ٣٤٦).
(٢) مجموع الفتاوى (٦/ ٣٤٦ - ٣٤٧).
(٣) الرد على المنطقيين (ص: ٢٢٤).

<<  <   >  >>