للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تتويبكم؛ فإنهم كانوا فساقًا يعتقدون تحريم ما هم عليه ويرجون رحمة الله ويتوبون إليه، أو ينوون التوبة فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام، يحبون ما يبغضه الله، ويبغضون ما يحبه الله، وبينت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي.

قلت مخاطبًا للأمير والحاضرين: أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب: أن رجلا كان يدعى حمارًا وكان يشرب الخمر وكان يُضحك النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان كلما أتي به النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- جلده الحد، فلعنه رجل مرة، وقال: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم-!، فقال النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم-: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) (١).

قلت: فهذا رجل كثير الشرب للخمر ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله، شهد له النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- بذلك ونهى عن لعنه.

وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في الصحيحين عن علي بن أبي طالب، وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما -دخل حديث بعضهم في بعض-: أن النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- كان يقسم فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية محلوق الرأس بين عينيه أثر السجود، وقال ما قال، فقال النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم-: (يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) (٢)، وفي رواية: (لو يعلم الذين يقاتلونهم ماذا لهم على لسان محمد لنكلوا عن العمل) (٣)، وفي رواية: (شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه) (٤).

قلت: فهؤلاء -مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وما هم عليه من العبادة


(١) رواه البخاري كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر (٦٧٨٠).
(٢) رواه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء (٣٣٤٤)، ومسلم كتاب الزكاة (١٠٦٤).
(٣) رواها مسلم كتاب الزكاة (١٠٦٦).
(٤) رواه أحمد في مسنده (٢٢١٥١)، والترمذي (٣٠٠٠)، وابن ماجه (١٧٦)، وحسنه الألباني كما في المشكاة (٣٥٥٤).

<<  <   >  >>