للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في دار الإسلام لم يقر على ذلك، فمن دعا إلى بدعة وأظهرها لم يقر، ولا يقر من أظهر الفجور، وكذلك أهل الذمة لا يقرون على إظهار منكرات دينهم، ومن سواهم: فإن كان مسلمًا أخذ بواجبات الإسلام وترك محرماته، وإن لم يكن مسلمًا ولا ذميًّا فهو: إما مرتد، وإما مشرك، وإما زنديق ظاهر الزندقة. وذكرت ذم المبتدعة فقلت روى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في خطبته: (إن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) (١). وفي السنن عن العرباض بن سارية قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: (أوصيكم بالسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) (٢)، وفي رواية: (وكل ضلالة في النار) (٣). فقال لي: البدعة مثل الزنا. وروى حديثًا في ذم الزنا، فقلت: هذا حديث موضوع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والزنا معصية والبدعة شر من المعصية، كما قال سفيان الثوري: «البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها» (٤).

وكان قد قال بعضهم: نحن نُتَوِّب الناس. فقلت: مماذا تتوبونهم؟ قال: من قطع الطريق والسرقة ونحو ذلك. فقلت: حالهم قبل تتويبكم خير من حالهم بعد


(١) رواه مسلم، كتاب الجمعة (٨٦٧).
(٢) رواه أبو داود (٤٦٠٧)، والترمذي (٢٦٧٨)، وأحمد (٤/ ١٢٦)، وصححه الألباني في المشكاة (١/ ٨٥).
(٣) قال الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع الصغير (١/ ٢٨٧): «هذه الزيادة (وكل ضلالة في النار) تفرد بها النسائي دون الآخرين، وسندها صحيح».
(٤) رواه الهروي في ذم الكلام (ص: ٢١٧)، واللالكائي في أصول الاعتقاد (١/ ١٤٩) (٢٣٨)، والبغوي في شرح السنة (١/ ٢١٦).

<<  <   >  >>