للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهذا، فيتبين أن ذلك كان شيطاناً.

وقد قلت لبعض أصحابنا؛ لما ذكر لي: أنه استغاث باثنين كان يعتقدهما، وأنهما أتياه في الهواء وقالا له: طيب قلبك نحن ندفع عنك هؤلاء ونفعل ونصنع.

قلت له: فهل كان من ذلك شيء؟

فقال: لا. فكان هذا مما دله على أنهما شيطانان، فإن الشياطين وإن كانوا يخبرون الإنسان بقضية أو قصة فيها صدق فإنهم يكذبون أضعاف ذلك، كما كانت الجن يخبرون الكهان.

ولهذا من اعتمد على مكاشفته التي هي من أخبار الجن كان كذبه أكثر من صدقه؛ كشيخ كان يقال له الشياح (١) توبناه وجددنا إسلامه، كان له قرين من الجن يقال له: (عنتر) يخبره بأشياء فيصدق تارة ويكذب تارة، فلما ذكرت له: إنك تعبد شيطاناً من دون الله، اعترف بأنه يقول له: يا عنتر لا سبحانك إنك إله قذر، وتاب من ذلك في قصة مشهورة.

وقد قتل سيف الشرع من قتل من هؤلاء، مثل الشخص الذي قتلناه سنة خمس عشرة، وكان له قرين يأتيه ويكاشفه فيصدق تارة ويكذب تارة، وكان قد انقاد له طائفة من المنسوبين إلى أهل العلم والرئاسة فيكاشفهم حتى كشف الله أمره، وذلك أن القرين كان تارة يقول: أنا رسول الله، ويذكر أشياء تنافي حال الرسول، فشهد عليه أنه قال: إن الرسول يأتيني ويقول لي كذا وكذا، من الأمور التي يكفر من أضافها إلى الرسول. فذكرت لولاة الأمور أن هذا من جنس الكهان، وأن الذي يراه شيطان، ولهذا لا يأتيه في الصورة المعروفة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بل يأتيه في صورة منكرة، ويذكر عنه أنه يخضع له ويبيح له أن يتناول المنكر وأمورا


(١) لم يذكر شيخ الإسلام اسمه، وقد ذكر ابن حجر في إنباء الغمر بأبناء العمر (١/ ٢٢٣) رجلاً اسمه: حسن بن الشياح -بمعجمه ثم تحتانية ثقيلة وآخره مهملة- الصالحي، أحد من يُعتقد بدمشق، وكان له مكاشفات كثيرة، ومات في ربيع الآخر سنة (٧٨٢ هـ) ولكن بينه وبين وفاة شيخ الإسلام ٥٤ عامًا، فلعل المراد أباه الشياح، والله أعلم.

<<  <   >  >>