للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأحدهم من يخاطبه، فيظنه النبي، أو الصالح الذي دعاه، وإنما هو شيطان تصور في صورته، أو قال: أنا هو، لمن لم يعرف صورة ذلك المدعو.

وهذا كثير يجري لمن يدعو المخلوقين، من النصارى ومن المنتسبين إلى الإسلام، يدعونهم عند قبورهم، أو مغيبهم، ويستغيثون بهم، فيأتيهم من يقول: إنه ذلك المستغاث به، في صورة آدمي، إما راكباً، وإما غير راكب. فيعتقد المستغيث أنه ذلك النبي، والصالح، أو أنه سِرّه، أو روحانيته، أو رقيقته أو المعنى تَشَكَّل، أو يقول: إنه ملك جاء على صورته، وإنما هو شيطان يغويه؛ لكونه أشرك بالله ودعا غيره، الميت فمن دونه. فصار للشيطان عليه سلطان بذلك الشرك، فظن أنه يدعو النبي، أو الصالح، أو الملك، وأنه هو الذي شفع له، أو هو الذي أجاب دعوته، وإنما هو الشيطان؛ ليزيده غلواً في كفره وضلاله. فكل من لم يعبد الله مخلصاً له الدين، فلابد أن يكون مشركاً عابداً لغير الله، وهو في الحقيقة عابد للشيطان. فكل واحد من بنى آدم إما عابد للرحمن، وإما عابد للشيطان، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزُّخرُف:٣٦ - ٣٩]» (١).

وقال رحمه الله: «والذين يعبدون الشيطان، وأكثرهم لا يعرفون أنهم يعبدون الشيطان، بل قد يظنون أنهم يعبدون الملائكة أو الصالحين. كالذين يستغيثون بهم ويسجدون لهم فهم في الحقيقة إنما عبدوا الشيطان، وإن ظنوا أنهم يتوسلون ويستشفعون بعباد الله الصالحين، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:٤٠ - ٤١].

ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها، فإن الشيطان يقارنها حينئذ حتى يكون سجود عباد الشمس له وهم يظنون أنهم


(١) الحسنة والسيئة (ص: ٥٦ - ٥٨).

<<  <   >  >>