للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢. ما لم يحتمله اللفظ ببنيته الخاصة من تثنية أو جمع وإن احتمله مفرداً: ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام في هذه المناظرة من أن: «لفظ اليدين بصيغة التثنية لم يستعمل في النعمة ولا في القدرة؛ لأن من لغة القوم استعمال الواحد في الجمع، كقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:٢]، ولفظ الجمع في الواحد كقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران:١٧٣]، ولفظ الجمع في الاثنين كقوله: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:٤]. أما استعمال لفظ الواحد في الاثنين، أو الاثنين في الواحد فلا أصل له؛ لأن هذه الألفاظ عدد وهي نصوص في معناها لا يتجوز بها» (١).

٣. ما لم يُؤلف استعماله بذلك المعنى في لغة المخاطب، وإن كان هذا المعنى مألوفاً كاصطلاح خاص حادث: كتأويل الفلاسفة الأفول في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَفَلَ} [الأنعام:٧٦] بالتحرك والانتقال، وبنوا على ذلك أن المتحرك لا يكون إلهاً، قال شيخ الإسلام: «والأفول باتفاق أهل اللغة والتفسير: هو الغيب والاحتجاب؛ بل هذا معلوم بالاضطرار من لغة العرب التي نزل بها القرآن وهو المراد باتفاق العلماء» (٢).

٤. ما لم يعرف تأويله إلا بطريق خفي لا يعرفه إلا أفراد من أهل النظر: كتأويل (الأحد) بالذات المجردة عن الصفات، فلو أمكن ثبوت هذا التأويل لم يدرك إلا بمقدمات صعبة وطويلة لا يدركها إلا مبتدعوها، قال شيخ الإسلام: «ولا يجوز أن يحيلهم على دليل خفي، لا يستنبطه إلا أفراد الناس، سواء كان سمعيًا أو عقليًا؛ لأنه إذا تكلم بالكلام الذي يفهم منه معنى وأعاده مرات كثيرة، وخاطب به الخلق كلهم وفيهم الذكي والبليد، والفقيه وغير الفقيه، وقد أوجب عليهم أن يتدبروا ذلك الخطاب ويعقلوه، ويتفكروا فيه ويعتقدوا موجبه، ثم أوجب ألا يعتقدوا بهذا الخطاب شيئًا من ظاهره؛ لأن هناك دليلاً خفيًا يستنبطه أفراد الناس يدل على أنه لم يرد ظاهره، كان هذا تدليسًا وتلبيسًا، وكان نقيض


(١) الرسالة المدنية ضمن مجموع الفتاوى (٦/ ٣٦٥).
(٢) مجموع الفتاوى (٦/ ٢٥٤) وانظر: العين (٨/ ٣٣٧) تهذيب اللغة (١٥/ ٢٧١).

<<  <   >  >>