للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكننا وإن سلمنا لهم بهذا لأنه حق، فلا نسلم لهم بما ذكروه في المقدمة الأخرى من أن تلك اللوازم -كالجهة والمعاينة ونحوها- ممتنعة في حق الله -عز وجل-؛ ولذلك نفوا الرؤية عنه سبحانه، بل نقول: بما أن الرؤية قد ثبتت بالتواتر القطعي وصريح نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، فإننا نثبتها لله -عز وجل- على حقيقتها وبلوازمها اللازمة منها، ولا يجوز إنكار مثل هذه اللوازم الصحيحة وجحدها.

وما ادعوه في المقدمة الثانية من امتناع هذه اللوازم في حق الله تعالى، فهي دعوى باطلة، وقد بين شيخ الإسلام بطلانها من وجوه عديدة وأهمها ما يلي:

الأول: أن النصوص الواردة في الرؤية -وهي كثيرة بل ومتواترة- دالة على أن رؤية المؤمنين لربهم إنما تكون في جهة وعن معاينة، ولا يتأتى إثبات الرؤية إلا كذلك، ومن ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر) (١)، والتشبيه هنا تشبيه الرؤية بالرؤية، فشبهها برؤية الشمس ليس دونها سحاب، أو رؤية القمر ليلة البدر صحواً. قال شيخ الإسلام: «فأخبر أن رؤيته كرؤية الشمس والقمر وهما أعظم المرئيات ظهورًا في الدنيا، وإنما يراهم الناس فوقهم بجهة منهم» (٢)، ومنها قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنكم ترون ربكم عياناً) (٣) فهذا صريح بأن الرؤية إنما تكون عن معاينة، فكيف يجوز بعد أن ظهر من دلالات النصوص وعباراتها أن الله يُرى في جهة ويرى عن معاينة ومقابلة، أن ننفي عن الله ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أعلم الخلق بربه، وننفي ما جاءت به اللغة العربية -التي خاطب الله عباده بها- من الدلالات والمعاني.


(١) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر (٥٥٤)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٦٣٣)، من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه-.
(٢) بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٤٣٣).
(٣) رواه البخاري كتاب التفسير، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢] (٧٤٣٥)، من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>