للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: وهذا منفي عن الله -عز وجل-؛ فلا يجوز أن نثبت الرؤية له سبحانه.

وبهذه الحجة احتجت المعتزلة على نفي رؤية الله -عز وجل-، وإبطال هذا الشبهة إنما يكون بإبطال المقدمة الثانية من المقدمتين؛ إذ إن المقدمة الأولى مقدمة صحيحة، واللوازم التي ذكروها للرؤية لوازم صحيحة لا يصح إنكارها.

وقد وقع متأخرو الأشاعرة -بسبب إثباتهم للرؤية مع نفيهم لعلو الله عز وجل على خلقه- في قول هو في غاية التناقض، خرجوا به عن ضرورات العقل، وخالفوا فيه ما اتفق عليه عقلاء بني آدم من جميع الطوائف؛ حيث قاموا بإنكار هذه اللوازم الصحيحة للرؤية وقالوا: إن الله يُرى ولكن بلا جهة ولا مقابلة ولا معاينة؛ فإنه يمكن أن يرى لا فوق الرائي ولا تحته ولا عن يمينه ولا عن شماله ولا في شيء من جهاته. فأنكروا المقدمة الأولى وجحدوا الضروريات، وكابروا في المعقولات (١).

ورحم الله ابن القيم حيث قال (٢):

فسل المعطل هل يُرى من تحتنا … أم عن شمائلنا وعن أيمان

أم خلفنا وأمامنا سبحانه … أم هل يُرى من فوقنا ببيان

يا قوم ما في الأمر شيء غير ذا … أو أن رؤيته بلا إمكان

إذ رؤيةٌ لا في مقابلةٍ من الر … ائي مُحالٌ ليس في الإمكان

ومن ادعى شيئاً سوى ذا كان دعـ … واه مكابرة على الأذهان

وأما أهل السنة فهم يثبتون الرؤية وكل ما كان لازما لها، فإذا كانت المقابلة والجهة والمعاينة لازمة للرؤية فهي حق، وما كان حقاً وصواباً فلازمه كذلك، فـ"من ادّعى ثبوت الشيء؛ فقد ادّعى ثبوت لوازمه، ولوازم لوازمه، وهلم جرّاً ضرورة عدم الانفكاك عنه" (٣).


(١) انظر: بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٤٣٢ - ٤٣٥).
(٢) نونية ابن القيم (ص: ٨٢).
(٣) تنبيه الرجل العاقل (١/ ٦٣).

<<  <   >  >>