للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يحكى عن بعضهم: أنه سمع كلاماً لا معنى له في نفس الأمر، كما حكى الرازي في محصوله عمن سماهم بـ (حشوية) (١) أنهم قالوا: يجوز أن يتكلم الله بكلام، ولا يعني به شيئاً.

لكن هذا القول لا أعرف به قائلاً، بل لم يقل هذا أحد من طوائف المسلمين!


(١) الحشو من الكلام: الفضل الذي لا يعتمد عليه. وكذلك هو من الناس؛ فحشوة الناس: رذالتهم. انظر: تهذيب اللغة (٥/ ٩٠)، وتاج العروس (٣٧/ ٤٣٠ - ٤٣٣).
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «مسمى الحشو في لغة الناطقين به ليس هو اسما لطائفة معينة لها رئيس قال مقالة فاتبعته: كالجهمية، والكلابية، والأشعرية. ولا اسما لقول معين، من قاله كان كذلك.
والطائفة إنما تتميز بذكر قولها، أو بذكر رئيسها» إلى أن قال: «وإذا كان كذلك، فأول من عرف أنه تكلم في الإسلام بهذا اللفظ: عمرو بن عبيد رئيس المعتزلة؛ فقيههم وعابدهم، فإنه ذكر له عن ابن عمر شيء يخالف قوله، فقال: كان ابن عمر حشوياً؛ نسبه إلى الحشو، وهم العامة والجمهور. وكذلك تسميهم الفلاسفة كما سماهم صاحب هذا الكتاب -يعني الرازي-.
والمعتزلة ونحوهم يسمونهم الحشوية. والمعتزلة تعني بذلك كل من قال بالصفات وأثبت القدر. وأخذ ذلك عنها متأخرو الرافضة، فسموا هم الجمهور بهذا الاسم.
وأخذ ذلك عنهم القرامطة الباطنية، فسموا بذلك كل من اعتقد صحة ظاهر الشريعة؛ فمن قال عندهم بموجب الصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصوم رمضان، وحج البيت، وتحريم الفواحش والمظالم والشرك ونحو ذلك، سموه حشوياً؛ كما رأينا ذلك مذكوراً في مصنفاتهم. والفلاسفة تسمي من أقر بالمعاد الجسمي والنعيم الحسي حشوياً. وأخذ ذلك عن المعتزلة تلامذتهم من الأشعرية فسموا من أقر بما ينكرونه من الصفات، ومن يذم ما دخلوا فيه من بدع أهل الكلام والجهمية والإرجاء حشوياً. ومنهم أخذ ذلك هذا المصنف» يعني الرازي. بيان تلبيس الجهمية (٢/ ١٢٩ - ١٣١).
وبين القرافي مراد الرازي بالحشوية في هذا الموضع فقال: «مراده بقوله: (خلافا للحشوية): الطائفة الذين لا يرون البحث في القرآن إذا تعذر إرادة ظاهره، نحو آيات الصفات؛ فإنهم لا يعتقدون ظاهرها، بخلاف المجسمة منهم، فإنهم يجرونها على ظواهرها، وهؤلاء يقولون: ما يعرف معنى هذه الآيات أصلاً، بل يفوضها إلى الله تعالى في تعين مجازها بعد أن يعتقد أن خفاءها غير مراده» نفائس الأصول في شرح المحصول (٣/ ١٠٦٠).

<<  <   >  >>