للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا كنا مرة في مجلس فجرت هذه المسألة، فقلت: هذا لم يقله أحد من طوائف المسلمين، وإن كان أحد ذكره، فليس فيما ذكره (١) حجةٌ على إبطاله.

فقال بعض الذابين عنه: هذا قالته الكرامية (٢).

فقلت: هذا لم يقله لا كرامي ولا غير كرامي، ولا أحد من أهل المذاهب الأربعة ولا غيرهم، وبتقدير أن يكون قولاً، فإنما احتَّجَ (٣) على فساده بأن هذا عبث، والعبث على الله محال.

وهذه الحجة فاسدة على أصله؛ لأن النزاع إنما هو في الحروف المؤلفة، هل يجوز أن يُنزل حروفاً لا معنى لها، والحروف عنده من المخلوقات، وعنده يجوز أن يخلق الله كل شيء؛ لأن فعله لا يتوقف على الحكمة والمصلحة، فليس فيما ذكره حجة على بطلان هذا.

وإنما النزاع المشهور هل يجوز أن ينزل الله تعالى ما لا يفهم معناه؟ والرازي ممن يجوز هذا في أحد قوليه، ووافق من قال إن التأويل لا يعلمه إلا الله، مع قولهم إن التأويل هو المعنى.

وأصل الخطأ في هذا أن لفظ التأويل مجمل يراد به:

١. ما يؤول إليه الكلام: فتأويل الخبر نفس المخبر عنه، وتأويل أسماء الله وصفاته نفسه المقدسة بما لها من صفات الكمال.

٢. ويراد بالتفسير التأويل: وهو بيان المعنى المراد، وإن لم نعلم كيفيته وكنهه» (٤).


(١) أي الرازي.
(٢) الكرامية: هم أتباع محمد بن كرام؛ يعتقدون أن الله تعالى جسم، وأنه تعالى محل للحوادث، وأن له ثقلاً، وأنه خالق رازق بلا خلق ولا رزق. ولهم في الإيمان قول منكر؛ حيث جعلوا الإيمان قول اللسان، وإن كان مع عدم تصديق القلب، فيجعلون المنافق مؤمناً. انظر: مجموع الفتاوى (٣/ ١٠٣)، الملل والنحل (١/ ١٠٨)، الفرق بين الفرق (ص: ٢٠٢ - ٢١٤).
(٣) أي الرازي.
(٤) الصفدية (١/ ٢٨٧).

<<  <   >  >>