للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آخر، وهذا بخلاف ما عليه أهل السنة والجماعة، فإنهم كما أخبر شيخ الإسلام «ما يعلم أحد من علمائهم ولا صالح عامتهم رجع قط عن قوله واعتقاده بل هم أعظم الناس صبرا على ذلك وإن امتحنوا بأنواع المحن وفتنوا بأنواع الفتن» (١).

الوجه الرابع: ومما يدل على هذا أيضاً: ما هو معلوم من رجوع أكثر أئمتهم إلى مذهب عموم أهل السنة وعجائزهم، بينما تجد أئمة السنة والحديث لا يرجع منهم أحد؛ لأن الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وقد ضرب شيخ الإسلام في مختلف كتبه ومصنفاته أمثله كثيرة جداً على تراجع صناديد علم الكلام وأئمته عن مذاهبهم ومعتقداتهم، ومن أجمع هذه المواضع ما ذكره -رحمه الله- في مجموع الفتاوى، حيث قال: «وتجد عامة هؤلاء الخارجين عن منهاج السلف من المتكلمة والمتصوفة يعترف بذلك: إما عند الموت، وإما قبل الموت والحكايات في هذا كثيرة معروفة:

-هذا أبو الحسن الأشعري: نشأ في الاعتزال أربعين عاماً يناظر عليه ثم رجع عن ذلك وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم (٢).

-وهذا أبو حامد الغزالي: مع فرط ذكائه، وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة، ويحيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف، وإن كان بعد ذلك رجع


(١) مجموع الفتاوى (٤/ ٥٠).
(٢) روى قصة رجوعه وتوبته من الاعتزال ابن عساكر في (تبيين كذب المفتري) (ص:٣٨ - ٣٩) وجاء في آخرها: «قام على مذاهب المعتزلة أربعين سنة، وكان لهم إماماً، ثم غاب عن الناس في بيته خمسة عشر يوماً، فبعد ذلك خرج إلى الجامع فصعد المنبر وقال: معاشر الناس إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة؛ لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة، ولم يترجح عندي حق على باطل، ولا باطل على حق فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه، وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا، وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب إلى الناس: فمنها كتاب (اللمع)، وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سماه بكتاب (كشف الأسرار وهتك الأستار)، وغيرهما»

<<  <   >  >>