للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى طريقة أهل الحديث وصنف (إلجام العوام عن علم الكلام) (١).

-وكذلك أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي: قال في كتابه الذي صنفه في أقسام اللذات (٢): «لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]، وأقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:١١٠] {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، ثم قال: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي» وكان يتمثل كثيراً:

نهاية إقدام العقول عقالُ … وأكثر سعي العالمين ضلالُ

وأرواحنا في وحشة من جسومنا … وحاصل دنيانا أذىً ووبالُ


(١) "إلجام العوام عن علم الكلام" المسمى بـ "رسالة في مذهب أهل السلف" هو آخر ما كتب أبو حامد الغزالي، كتبه في أوائل جمادي الآخرة سنة ٥٠٥ هـ أي: قبيل وفاته بزمن قصير جداً، أقلّ من أسبوعين، حيث توفي رحمه الله يوم الاثنين ١٤ جمادي الآخرة عام ٥٠٥ هـ. وكان مما قال فيه الغزالي: «اعلم: أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف -أعني مذهب الصحابة والتابعين-، وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه. فأقول: حقيقة مذهب السلف، وهو الحق عندنا؛ أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة امور: التقديس، ثم التصديق، ثم الاعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة». ثم يجعل من قول الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- مقدمة مهمة جداً في هذا الموضوع، يأخذ به ويكرره في عدة مواضع، حيث يقول الإمام مالك -رضي الله عنه- عندما سُئل عن الإستواء: (الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). ويعقد الإمام الغزالي فصلاً في أن الجواب الحق عن هذه المسائل هو جواب الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه-، وهذا الكتاب من أصحِّ الكتب نسبة إليه. وطبع الكتاب في بيروت، دار الكتب العلمية ضمن (مجموعة رسائل الإمام الغزالي) ١٤١٤ هـ/١٩٩٤ م. نقلاً عن "كتب الإمام الغزالي الثابت منها والمتحول" للدكتور مشهد العلاف.
(٢) رسالة (أقسام اللذات) أو (ذم لذات الدنيا) للفخر الرازي (ص:٢٦٢). وانظر: وفيات الأعيان (٤/ ٢٥٠) وطبقات الشافعية (٥/ ٤٠).

<<  <   >  >>