للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤) أن دعوى الضرورة لا يمكن إبطالها إلا بتكذيب المدعي أو بيان خطئه، والمدعون لذلك أمم كثيرة منتشرة يُعلم بالضرورة استحالة تواطئهم على الكذب، فالقدح في ذلك كالقدح في سائر الأخبار المتواترة، فلا يجوز أن يقال: إنهم كذبوا فيما أخبروا به عن أنفسهم من العلم الضروري (١).

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «وكما يمتنع اتفاق الطوائف الكثيرة التي لم تتواطأ على دعوى الكذب في مثل ذلك، يمتنع اتفاقهم على الخطأ في مثل ذلك، ولو جاز الخطأ في مثل ذلك، لم يكن الجزم بما يخبر به الناس عما عرفوه بالحس، أو الضرورة لإمكان غلطهم في ذلك، فإن غلط الحس الظاهر أو الباطن أو العقل يقع لآحاد الناس، ولطائفة حصل بينها مواطأة، وتلقي بعضها عن بعض، كالمذاهب الموروثة، وكقول التابعين، لكون هذا معلوماً بالضرورة؛ فإنهم أهل مذهب تلقاه بعضهم عن بعض.

وأما الجازمون بالضرورة في أن الله فوق العالم، أو أنه لا يعقل موجود قائم بنفسه لا يشار إليه، ولا يعقل موجودان ليس أحدهما محايثاً للآخر ولا مبايناً له، وأن مثل هذا ممتنع بالضرورة التي يجدونها في أنفسهم، كسائر العلوم الضرورية، فهؤلاء أمم كثيرة لم يتواطأوا ولم يتفقوا على مذهب معين» (٢).

٥) أن الداعي إذا أراد أن يدعو ربه، فإنما يرفع يديه إلى السماء، وهذا أمر يفعله جميع أرباب النحل، فدل على أن من المتقرر في فطر وعقول جميع الخلق أن إلههم فوق و"هذا الرفع يُستدل به من وجوه:

أحدها: أن العبد الباقي على فطرته يجد في قلبه أمراً ضرورياً إذا دعا الله دعاء المضطر أنه يقصد بقلبه الله الذي هو عالٍ وهو فوق.

الثاني: أنه يجد حركة عينيه، ويديه بالإشارة إلى فوق، تتبع إشارة قلبه إلى


(١) انظر: المصدر السابق (٦/ ٣٤١)
(٢) درء تعارض العقل والنقل (٦/ ٣٤١ - ٣٤٢).

<<  <   >  >>