للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامساً: أن دعواهم حب كل موجود والرضا به دعوى باطلة لا يمكن تحققها؛ فإن النفس البشرية قد جبلت وفطرت على محبة ما ينفعها وكره ما يضرها، قال شيخ الإسلام: «ولا يمكن لأحد أن يحب كل موجود، بل يحب ما يلائمه وينفعه ويبغض ما ينافيه ويضره» (١).

وقال رحمه الله: «وهم في ذلك متناقضون؛ إذ لا يتمكنون من الرضا بكل موجود، فإن المنكرات هي أمور مضرة لهم ولغيرهم، ويبقى أحدهم مع طبعة وذوقه وهواه ينكر ما يكره ذوقه دون ما لا يكره ذوقه» (٢).

خامساً: أما ما استندوا عليه من تعريف بعض المشايخ للمحبة بأنها (نار في القلب تحرق كل ما سوى مراد المحبوب)، فهذا معنى مجمل يحتمل حقاً وباطلاً، وهم قد فهموه على المعنى الباطل، فحملوا الإرادة هنا على الإرادة الكونية التي تشمل الخير والشر، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- أن قائل هذه العبارة إنما أراد المعنى الصحيح منها، وهو أنها: "تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب الديني الأمري، الذي يحبه ويرضاه، لا المراد الذي قدره وقضاه، لكن لقلة حظ المتأخرين منهم وغيرهم من العلم: وقعوا فيما وقعوا فيه من الإباحة والحلول والاتحاد، والمعصوم من عصمه الله" (٣)، وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «أما لو قال مؤمن بالله وكتبه ورسله، هذه المقالة، فإنه يقصد الإرادة الدينية الشرعية التي هي بمعنى محبته ورضاه، فكأنه قال: تحرق من القلب ما سوى المحبوب لله. وهذا معنى صحيح؛ فإنّ من تمام الحب لله ألا يحب إلا ما يحبه الله، فإذا أحببت ما لا يحب كانت المحبة ناقصة. وأما قضاؤه وقدره فهو يبغضه ويكرهه ويسخطه وينهى عنه، فإن لم أوافقه في بغضه وكراهته وسخطه لم أكن محباً له، بل محباً لما يبغضه» (٤).


(١) العبودية (ص: ١١٦).
(٢) الاستقامة (١/ ٤٢٥).
(٣) مدارج السالكين (٣/ ١٦)، وانظر: طريق الهجرتين (ص: ٣٠٣)، شفاء العليل (ص: ٤).
(٤) العبودية (ص: ١١٦ - ١١٧).

<<  <   >  >>