للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سادساً: أن قولهم هذا مخالفٌ للنصوص القطعية التي تفرق بين أهل الإيمان وأهل الكفر والطغيان، وتفرق بين الطاعات وبين المعاصي والمنكرات، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «ورأوا أن الله خالق المخلوقات كلها، فهو خالق أفعال العباد، ومريد جميع الكائنات، ولم يميزوا بعد ذلك بين إيمان وكفر، ولا عرفان ولا نكر، ولا حق ولا باطل، ولا مهتد ولا ضال، ولا راشد ولا غوي، ولا نبي ولا متنبئ، ولا ولي لله ولا عدو، ولا مرضي لله ولا مسخوط، ولا محبوب لله ولا ممقوت، ولا بين العدل والظلم، ولا بين البر والعقوق، ولا بين أعمال أهل الجنة وأعمال أهل النار، ولا بين الأبرار والفجار، حيث شهدوا ما تجتمع فيه الكائنات من القضاء السابق، والمشيئة النافذة، والقدرة الشاملة، والخلق العام؛ فشهدوا المشترك بين المخلوقات، وعموا عن الفارق بينهما، وصاروا ممن يخاطب بقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:٣٥ - ٣٦]، وبقوله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:٢٨]، وبقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية:٢١]» (١).

وبهذه الأوجه كلها اتضح فساد وبطلان وتناقض مذهب هؤلاء الجبرية الإباحية الذين ناظرهم شيخ الإسلام، وتبين مخالفة قولهم للنقل والعقل والفطرة التي جبل الله عليها الخلق.


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٥٩ - ٦٠).

<<  <   >  >>