للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء:١٩] يعني الكافرين بنعمتي، إِذ ربيتك صغيراً، وأحسنت إِليك. ونحوه كثير» (١).

وقال النووي في تبويبه على صحيح مسلم: «باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، ككفر النعمة والحقوق» (٢).

والكفر الذي هو ضد الشكر إنما هو كفر النعمة، لا الكفر المخرج من الملة؛ فإذا زال الشكر خلفه كفر النعمة، لا الكفر بالله (٣)، وهذا ما تشهد له اللغة، قال الخليل الفراهيدي: «الكُفرُ: نقيض الإيمان … والكُفرُ: نقيض الشكر. كَفَر النعمة، أي: لم يشكرها» (٤)، فبين أن ضد الشكر كفر النعمة، وقال ابن منظور: «والكفر: جحود النعمة، وهو ضد الشكر» (٥) وقال أبو علي الفارسي (٦): «الكفر: خلاف الشكر، كما أن الذم خلاف الحمد. فالكفر: ستر النعمة وإخفاؤها، والشكر نشرها وإظهارها. وفي التنزيل: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:١٥٢] وفيه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧]» (٧).

قال ابن القيم -رحمه الله-: «وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة، وإن زال عنه اسم


(١) التصاريف لتفسير القرآن (ص: ١٠٥).
(٢) صحيح مسلم، كتاب الإيمان (١/ ٨٦).
(٣) قال السعدي في تفسيره (ص: ٤٢٢): «والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى، وكفر النعمة ضد ذلك».
(٤) العين (٥/ ٣٥٦).
(٥) لسان العرب (٥/ ١٤٤).
(٦) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، فيه اعتزال، علت منزلته فِي النحو، وصنف كتباً عجيبة حسنة لم يسبق إِلَى مثلها منها: كتاب الحجة في علل القراءات، وكتاب الايضاح (ت: ٣٧٧ هـ). انظر: تاريخ العلماء النحويين للتنوخي (ص: ٢٧)، تاريخ بغداد (٨/ ٢١٧)، السير (١٦/ ٣٨٠).
(٧) المخصص (٣/ ٤٢٤).

<<  <   >  >>