للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإيمان، وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما، فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقاً أخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار، وفريقاً جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان؛ فهؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا، وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى، والقول الوسط الذي هو في إذنه كالإسلام في الملل فها هنا كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم» (١).

ثانياً: إذا ثبت أن ضد الشكر كفر النعمة، لا الكفر المخرج من الملة (٢)؛ فإن ترك الشكر بالأعمال لا يكون كفراً مخرجاً من الملة، بل غايته أن يكون من كفر النعمة وجحدها، ثم إن عقيدة الخوارج أن من ترك عملاً من الأعمال الواجبة، أو فعل كبيرة؛ فإنه يخرج من الملة، وأهل السنة لا يكفرون بمثل هذا، بل يرون من فعل مثل هذا مؤمناً ناقص الإيمان، إلا في الصلاة خاصة؛ ففيها من الخلاف ما هو معلوم، وإنما وقع الخوارج في ذلك؛ لاعتقادهم أن الإيمان كلٌ لا يتجزأ، فإذا ذهب بعضه ذهب كله. وقابل هذا الضلال المرجئة؛ فوافقوا الخوارج في أن الإيمان كلٌ لا يتجزأ، إلا أنهم أخرجوا أعمال الجوارح من الإيمان وجعلوا الإيمان بالاعتقاد والقول فقط؛ فراراً من قول الخوارج. والحق الذي يعتقده أهل السنة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وأن الإيمان لا ينتفي عن صاحبه بترك بعض الأعمال، كما تقول الخوارج، كما أنه لا يصح الإيمان إلا بعمل، خلافاً لقول المرجئة.

قال شيخ الإسلام: «وأصل نزاع هذه الفرق في الإيمان من الخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية وغيرهم أنهم جعلوا الإيمان شيئاً واحداً إذا زال بعضه زال


(١) وقد يصل كفر النعمة بصاحبه إلى الكفر المخرج من الملة، وذلك إذا جحد نعمة الله سبحانه بالكلية، ولم ير لله عليه نعمة.
(٢) الصلاة وأحكام تاركها (ص: ٥٨).

<<  <   >  >>