للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جميعه، وإذا ثبت بعضه ثبت جميعه، فلم يقولوا بذهاب بعضه وبقاء بعضه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من الإيمان) (١). ثم قالت الخوارج والمعتزلة: الطاعات كلها من الإيمان فإذا ذهب بعضها ذهب بعض الإيمان فذهب سائره، فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليس معه شيء من الإيمان. وقالت المرجئة والجهمية: ليس الإيمان إلا شيئاً واحداً لا يتبعض أما مجرد تصديق القلب كقول الجهمية، أو تصديق القلب واللسان كقول المرجئة، قالوا: لأنا إذا أدخلنا فيه الأعمال صارت جزءاً منه، فإذا ذهبت ذهب بعضه فيلزم إخراج ذي الكبيرة من الإيمان، وهو قول المعتزلة والخوارج» (٢).

ثالثاً: أن النصوص قد دلت دلالة واضحة على أن الشكر كما يكون بالقلب واللسان فإنه يكون كذلك بالأعمال، ومنها قول الله سبحانه {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ:١٣]، ومنها حديث عائشة -رضي الله عنها-: أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أحب أن أكون عبدا شكوراً) (٣).

رابعاً: أن اعتقاد أهل السنة المبثوث في كتبهم والمعروف عن أئمتهم هو أن الشكر يكون بالاعتقاد والقول والعمل، ومن المعلوم بالاضطرار أنه ليس من أصول أهل الحق: إخراج الأعمال عن أن تكون شكراً لله؛ وقد وضح شيخ الإسلام ذلك ببعض الأمثلة:

المثال الأول: ما نص عليه العلماء خلفاً عن سلف من أن الزكاة شكر نعمة المال.


(١) رواه أحمد (٦/ ٣٣٨) (٣٧٨٩)، وأبو داود (٤/ ٥٩) (٤٠٩١)، والترمذي (٣/ ٤٢٨) (١٩٩٨)، وابن ماجه (١/ ٢٢) (٥٩)، من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، ولفظه: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان) وصححه الألباني في المشكاة (٥١٠٧).
(٢) رواه البخاري كتاب التفسير، باب: ليغفر لك اله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (٤٨٣٧) ومسلم كتاب صفة القيامة والجنة والنار (٢٨٢٠).
(٣) مجموع الفتاوى (٧/ ٥١٠).

<<  <   >  >>