(٣) وهذا يؤكد الإشكالية الثالثة وهي تتصل بمنطق الحق والباطل وأحكام كلٍ منهما وآثاره، فالإسلام جاء بمنظومة من التشريعات العقدية والعملية انطلاقاً من حقيقة كونه حقاً، فجاءت هذه الشريعة فرقاناً بين الحق والباطل لا على مستوى التنظير والحكم الأخروي فحسب بل على المستوى العملي وفق منظومة تشريعية يتم من خلالها التفريق بين قيم الحق وقيم الباطل، ولتلغى كافة صور المساواة بينهما، (فماذا بعد الحق إلا الضلال)، بل لتمتد حالة نفي المساواة إلى حملة الحق وحملة الباطل، {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}، {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ}. أما الأمثلة والشواهد على هذه الحقيقية الشرعية في تفاصيل التشريعات العملية فأكثر من أن تُذكر في أبواب العبادات والجنايات والحدود والتوارث والأنكحة والأطعمة والشهادة والولاية والحضانة والقتال وحرية التعبد الخ الخ .. وخذ هذه الشواهد مختصرة للتدليل على سعة الشبكة التي تشملها هذه المنظومة التشريعية العملية، والتي تؤكد بدهية نفي المساواة بين حق الحق وحق الباطل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً}، {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}، {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، (لا يقتل مسلم بكافر)، (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)، (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)، (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، (من تشبه بقوم فهو منهم) .. الخ الخ. هذه بعض الشواهد فقط مما خطر في بالي الآن، وأظنها كافية في التأكيد على هذه الحقيقة الشرعية وهي تغني عن الاستطراد والاستغراق في ذكر الفروع الفقهية الناشئة عن هذه الشواهد في مختلف الأبواب الشرعية.