للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا لا بد لنا من التنبيه على منهج خطير آخذ في التسلل إلى بعض حملة العلم، يريد به الليبراليون شيئًا، ويحصل من بعض علمائنا بحسن نية منهم موافقة لما يقول أولئك لكن دون التنبيه على اختلاف الدوافع والمقاصد، فيفرح أولئك بكلام من وافقهم من العلماء ويطيرون به، ولو أن هذا الفريق من العلماء اجتهد فانتهى إلى ما انتهوا إليه، لكنه مع ذلك حذر من تلك الدوافع والمقاصد لكان هذا حسنًا، لكن أن يلتقي معهم في قول يقصدون من ورائه هدم حمى الشريعة، أو إشاعة ما يعرف بالإسلام المعتدل، ومشايخنا الفضلاء هؤلاء ساكتون صامتون، فهذا مما لا يجوز، إذ هو سكوت عن منكر شاهدوه وخالطوه يوم أن حصلت بين الفريقين مشاكلة ومشاركة في القول، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (من رأى منكم منكرًا فليغيره، بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

هذا المنهج يقوم على تجاوز النص بحجة العمل بالمقصد الشرعي، وعليه - بحسب هذا المنهج - فإن كثيرًا من النصوص الشرعية وسائل لمقاصد وغايات، فإن تحققت تلك الغايات بتلك الوسائل أو بغيرها، فثم الشرع، وهذا الكلام وإن كان في العموم كلام أصولي دقيق وصحيح، إلا أنه عام أريد به خصوص، إذ يلزم المحتج به أن يثبت أولا أن هذا النص وسيلة غير مقصودة بذاتها، هذه هي العقبة الكؤود في وجه هؤلاء، لكن يأتي من مشايخنا من يذلل لهم الأمر ويسهل لهم هذه العقبة، وينقب في الكتب ليرى أن ثمة من يقول بهذا القول، فيسقط الإجماع، ثم يعرض المسألة مكيفًا لها تكييفا أصوليًا، لتظهر المسألة وكأنها من مسائل الخلاف والاجتهاد، مما لا يثرب على المخالف القول والعمل بها إذ له سلف في ذلك.

ونحن إن بدأنا في هذا الطريق انتهينا إلى زندقة "فقهية ليبرالية"، فثمت قائل بقول هؤلاء، وقائل بذاك القول، وهكذا، فلا ينكر على مخالف! ولولا أنّ موضوع هذه المقالة ومقصودها مختلف لجرى البحث في هذه الظاهرة والرد عليها، لكن يقال اختصارًا إن العلماء تظاهروا على أن "من تتبع الرخص فقد تزندق"، وأن "من أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله"، وأن النظر إلى هذه الشريعة بهذا السلوك، هو عين ما أوقع زنادقة الباطنية في المذهب الباطني، فالصلاة ليست مقصودة لذاتها، ولكن المقصود منها تزكية النفس وتهذيبها والارتقاء في درجات الكمال، والصوم كذلك

وقياسا على هذا النسق الفاسد يمكننا أن نقول إن الوضوء ليس مقصودًا لذاته، إذ المقصود منه طهارة الأعضاء، فهو بتعبير يشابه تعبير الشيخ القرضاوي، وسيلة لغاية الطهارة، فإن تحققت الغاية بأي وسيلة تحقق الحكم!.

نعم، هناك نصوص لا تعدوا أن تكون وسائل لغايات، هذا يقرره استقراء العلماء للشريعة، وهو أمر دقيق، ويحتاج إلى نظر أصولي فقهي مقارن، فإن تتابع علماؤنا السابقون على أمر، حتى مع وجود شواذ من المخالفين فإن الأمر بلزوم الجماعة والنهي عن الشذوذ موجب للأخذ بما تتابعوا عليه وعدم الشذوذ عنه.

وعليه فيقال للفضلاء الذين يضعون هذا السؤال بين أيدينا؛ أعني قولهم لم لا نعمل بالفلك والحساب في الصوم كما عملنا به في الصلاة؟ يقال لهم، الصلاة عبادة لها شروطها وأركانها، والصيام كذلك، فالطهارة ليست شرطًا في صحة الصيام لكنها شرط في صحة الصلاة، وذات رؤية الهلال من قبل واحد أو اثنين من المسلمين، أو إكمال العدة ثلاثين يوماً، شرط في إعلان دخول الشهر، وبدء الصوم الواجب، وذات دخول وقت الصلاة هو مناط وجوب الصلاة، سواء علم دخول الوقت برؤية غياب الشمس أو الشفق، أو بالعلم بغياب الشمس، أو العلم بغياب الشفق،،، فليتأمل هذا الفرق، فإنه مهم جدًا.

شهادة الشهود، من وما يردها؟

<<  <  ج: ص:  >  >>