وقد أخطأ الشيخ ابن منيع في مقارنة الحساب الفلكي بمثال الجمع الذي ذكره، فقد قال (فالنتائج العلمية لكل علم من العلوم لاسيما إذا كانت هذه النتائج قطعية لتحديد ولادة الهلال هذه النتائج العلمية لا يتقدم بها عالم أو اثنان أو أكثر حتى نشترط لقبولها العدالة والتقوى والصلاح. وإنما هي نتائج علمية قطعية يعترف بها البر والفاجر والصالح والفاسق والمسلم وغير المسلم فليست نتائج شخصية حتى نطلب من مقدمها ما يدل على ثقته وأمانته. فمثلاً النظريات الرياضية من معدلات وغيرها مما هي محل اعتبار واعتراف وتسليم هل نطلب ممن يقدمها بأي وسيلة من وسائل النشر والبيان العدالة والثقة والصلاح؟ وحينما يقول لفضيلته مثلاً أحد الناس: ١٥+ ١٠= ٢٥أو ٧*٩= ٦٣هل يتردد فضيلته في قبول هذه النتائج حتى تثبت عدالة من يتقدم إليه بها. لعل الأمور قد اختلطت على شيخنا - حفظه الله)، فالحساب يا شيخنا الكريم مرده إلى الحس المشاهد، وهو مما تعتبره الشريعة، فأنت إذا جئت بخمسة عشر درهما، وأضفت إليها عشرة، ثم عددتها مرة أخرى أصبح المجموع خمس وعشرين، وإذا كررت مجموعة أفرادها سبعة، تسع مرات، ثم عددتها واحدًا واحدًا، وجدت حسًا أن مجموعها ثلاثة وستين وهكذا، فهذا حساب حسي لأمر قد حدث أو يحدث الآن وهو لا شك قطعي، والحساب الفلكي حساب لأمر مستقبل من ناحية وغيبي غير مشاهد من ناحية أخرى، فليس منتهاه الحس، وأرجو أن يلاحظ فضيلتكم أننا لا نتحدث عن دقة الحساب الفلكي وعدم دقته، ولكننا نتحدث عن ما هو معتبر في الشريعة وما ليس معتبر، فلو قدر للخلق بعد أمد أن يكشف الله لهم بأبصارهم فيشاهدون القمر وهو يأتي من المشرق، فيسير نحو المغرب، ثم يبصرونه يسير بعيدًا، فيأتي آخر وقال انظروا ها قد أتى، والشهود ما زالوا يشهدونه يتوارى في جهته الأخرى، لعملنا بهذا، وهذا رعاكم الله حسًا، وليس حسابًا، فعلم بهذا خطأ من أطلق فقال بأن الحساب قطعي، والرؤية ظنية، مثل تقي الدين السبكي إن صح حمله كلامه على ذلك.
هذا يا كرام معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إنا أمة أمية لا نحسب، ولا نكتب، الشهر هكذا، وهكذا): أي إننا أمة نعتمد على العلم الضروري الحاصل بالحس الذي يعتمد عليه الأمي، ونعتمد كذلك على العقل الذي هو صفة فطرية ليس له علاقة بعامي ولا جاهل، فلا نفتخر نحن بالأمية، ولا نفتخر بإلقاء العلم وراء أظهرنا، ولكن هذا وصف لطبيعة أحكام الشارع، ولكل نظام طبيعة في أحكامه، فلا يحكم أحد على أحد.