للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ تكلُّم من لا يعرف لسان العرب في أمور الشرع، واستنباطه الأحكام دون أن يتمكن من آلة فهم الكتاب والسنة يؤدي إلى تحريف الكلم عن مواضعه، والقول على الله بغير علم.

٣. اتباع المتشابه من نصوص الكتاب والسنة وترك المحكم:

قاعدة الشريعة، وطريقة الراسخين في العلم الإيمان بالكتاب كله محكمه ومتشابهه؛ كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} (آل عمران:٧) أخرج الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: (لقد جلست أنا وأخي مجلساً ما أحب أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة، إذ ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها، حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً، قد احمرّ وجهه، يرميهم بالتراب، ويقول: مهلاً يا قوم! بهذا أهلكت الأمم من قبلكم؛ باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً، بل يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه).

فقد دلت هذه النصوص على أن في كتاب الله من لا يفهمه إلا من رزقه الله الفهم والبصيرة؛ فإن التشابه الذي لا تمييز معه، قد يكون من الأمور النسبية الإضافية؛ بحيث يشتبه على بعض الناس دون بعض. ومثل هذا يعرف منه أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الاشتباه، فليس لكل أحد أن يقول فيه برأيه بل يكله إلى عالمه. قال الربيع بن خثيم: "يا عبد الله! ما علمك الله في كتابه من علم، فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم، فكله إلى عالمه، ولا تتكلف؛ فإن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ *إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} (صّ:٨٦ ـ ٨٨).

إن ضلال كثير من أصحاب الغلو، وانحرافهم كان بسبب ردهم للمحكمات من النصوص، وأخذهم بالمتشابهات. قال عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم: إنه سيأتي أناس يأخذونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله " وبين الشاطبي ذلك بقوله: " ومما يوضح ذلك ما خرجه ابن وهب عن بكير أنه سأل نافعا: كيف رأي ابن عمر صلى الله عليه وسلم في الحرورية؟ قال: يراهم شرار خلق الله إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار، فجعلوها في المؤمنين. فسرّ سعيد بن جبير من ذلك، فقال: مما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة: من الآية٤٤)، ويقرنون معها {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الأنعام: من الآية١)، فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق، قالوا: قد كفر، ومن كفر عدل بربه، (ومن عدل بربه) فقد أشرك، فهذه الأمة مشركون، فيخرجون فيقتلون ما رأيت؛ لأنهم يتأولون هذه الآية ".

٤. الأخذ ببعض الأدلة وترك ما سواها:

<<  <  ج: ص:  >  >>