وكنت قد رصدت قبل أربعة عشر عاما هلاك زنديق من زنادقة الشعر، ناحت عليه الصحف ولطمت، وكان الإنكار آنذاك ضعيفا وتأثيره محدودا، ولذلك أسباب أهما:
١ - انتشار الوعي بين العلماء والدعاة بخطر أصحاب الأفكار المنحرفة، وكشف زيفهم، وبيان حقيقتهم، وتحذير الناس منهم.
٢ - كانت الكتب عن المنحرفين قليلة جدا، وبعضها رسائل علمية حُجر عليها في أرفف الجامعات، ومُنعت من النشر في إرهاب فكري أُحادي لا مثيل له، كما أن وسائل الإعلام بأيدي المنحرفين الذين لا يمثلون الأمة ولا دينها ولا ثقافتها، ولا سيما الصحف والمجلات، فلما حصل الانفتاح في وسائل الاتصال، وخاصة في الشبكة العنكبوتية؛ وجد أهل الخير والصلاح متنفسا لنشر مقالاتهم وكتبهم في فضح الزنادقة، ووصل ذلك إلى العامة، وعرف كثير من الناس حقيقة المثقفين المزورين، والصحفيين الأفاكين.
والواجب على العلماء والدعاة أن ينشطوا في تحذير الأمة من كل فكر دخيل يتعارض مع دينهم، وتحذير الناس منه ومن رموزه وأتباعه والمسوقين له؛ فإن ذلك يصيب الزنادقة والمرتدين والملحدين في مقتل.
كما أن بيان حقيقة الزنادقة التي يخفيها الإعلام الفاسد والصحافة الكاذبة سبب لفضح الإعلام والصحافة عند العامة، ويزيد ذلك من ثقة الناس في علمائهم ودعاتهم.
رابعا: مع اشتداد الهجمة العلمانية -وخاصة الليبرالية- على دين الأمة ومقدساتها وعلمائها، ومحاولتهم تبديل دينها، ومع كثرة ما يُكتب في الصحف، ويعرض في الفضائيات من تمجيد زنادقة العصر فإن كثيرا من الناس -ولا سيما المتعلمين منهم وحملة الشهادات العليا- يقفون مواقف المحايدين المتفرجين، وينأون بأنفسهم عن نصرة الدين وأهله، ودحر النفاق وأهله بحجج منها:
١ - أن في الأمة من قام بما يكفي فسقط الفرض عن البقية وارتفع الحرج، وهذه حجة باهتة لأنه لا توازيَ بين ما كُتب عن هذا الزنديق الهالك درويش من مقالات التأبين، وقصائد التوديع، وبين الرد عليهم، وبيان حقيقة زنديقهم التي أخفوها؛ فالمقالات والكتاب عنه بالمئات، والصفحات والملاحق المخصصة للإشادة به كثيرة جدا طيلة أسبوع أو أكثر، بينما المقالات الكاشفة لحقيقته في الشبكة العالمية قد لا تصل إلى عشر مقالات؛ وكثير من الناس تغره الكثرة، ويُخدع بسيل هذه المقالات الجارفة الغالية المتطرفة في مدح الملاحدة.
٢ - يحتج البعض بأن فضح الزنادقة يُشهرهم، ويرفع ذكرهم، وتركهم أولى من فضحهم والرد عليهم، وتلك الدعوى يرددها بعض القاعدين عن نصرة الدين، وكأنهم يتحدثون عن زنديق مات في مجاهل إفريقية، أو جزر أستراليا لا يعرفه أحد! وكأنهم لا يرون ما في الصحف ولا يسمعون بما في يعرض في الفضائيات، ويفرض على الناس!! وهذا من الجهل المطبق بحال الإعلام، أو من التجاهل المقصود للتنصل من المسئولية، ولا يسع ذلك أهل العلم والدعوة الذين يجب عليهم الاحتساب على من يريد إضلال الناس، وتحريف دينهم؛ حماية للأمة، وقياما بواجب الدعوة.
وقد راجعت بعد هلاك هذا الزنديق أربع صحف في يوم واحد فقط هو يوم الاثنين١٠/ ٨/١٤٢٩ فإذا المنشور فيها عنه من مقالات وتحقيقات وتعليقات تزيد على الثمانين، ويصل هذا إلى الناس؛ ليصوغ عقولهم، ويفسد أفكارهم، ويضعف انتماءهم لدينهم، فكيف لو أحصينا كل ما كتب عنه طيلة أسبوع في سائر الصحف العربية؟!