إن وسائل الإعلام -اليوم- تقع تحت ضغط الجماهير التي بدأت تنفر من المستوى الهابط الذي وصلت إليه كثير من البرامج، وتطالب -في ذات الوقت- ببديل إسلامي يتفق مع الهوية الثقافية والحضارية للأمة في ظل احتفاء الآخر بقيمه وثقافته ومحاولة تمريرها بالقوة على مجتمعاتنا المسلمة. وفي محاولة منها لإرضاء التوجهات المختلفة إسلامية وعلمانية، فإن القنوات الفضائية تجد في هذا الصنف من "الدعاة الجدد" فرصة في تقديم البديل الإسلامي المطالب به جماهيرياً؛ بل هي تحاول صنع أمثال هؤلاء الدعاة "على أعينها" لأنهم في الغالب لا يتصادمون مع مضامين الرسالة الإعلامية لها.
وتحاول بعض هذه القنوات ركوب الموجة واستغلال التيار .. فهي إما تقدم نفسها كبديل إسلامي، أو أنها تمزج بين هذا وذاك! خاصة وأن هناك قنوات إسلامية قوية بدأت تظهر في الساحة الإعلامية!
يقول د. خالد شوكات في إيضاح العلاقة بين مظاهر التدين في تونس والقنوات الفضائية:"يؤكد المتابعون والمهتمون بالشأن الاجتماعي والثقافي في تونس وجود صحوة دينية كبيرة لدى شرائح اجتماعية واسعة داخل المجتمع التونسي، تتجلى بصورة خاصة في إقبال التونسيات على ارتداء الحجاب، كما يلحظون أن وجود القنوات الفضائية الإسلامية قد مثل بديلا جيدا للمعرفة الدينية بالنسبة للمتدينين في هذا البلد الذي يتعرض فيه التيار المتدين لقمع شديد، ويكاد يغيب فيه دور الدعاة". مرجع (٢)
إذن هذا الجمهور لابد له من بديل، وهذا البديل مع غياب الدعاة كان القنوات الفضائية! "وقالت الباحثة الجامعية التونسية سنية المنصوري في تصريح لـ (إسلام أون لاين. نت) بتاريخ ٣١/ ٧/٢٣م: إن وجود قنوات فضائية إسلامية أمثال اقرأ والمجد وغيرهما من الفضائيات، قد مثل مصدرا بديلا للمعرفة الإسلامية وللفتوى الدينية، خصوصا لدى الفتيات والنساء، في ظل غياب الدعاة والوعاظ الدينيين عن المساجد والبرامج الإذاعية والتلفزيونية المحلية (بسبب التضييق الأمني من جانب السلطات التونسية)، كما أن الدعاة الدينيين من أمثال عمرو خالد وحبيب علي الجفري قد تحولوا إلى شخصيات مؤثرة في أوساط اجتماعية كبيرة بتونس". مرجع (٢)
"إن هذا التيار الجديد من الدعوة ظهر ليوفِّي بمتطلبات الشباب الذين ينفتحون أكثر فأكثر على الثقافة الغربية؛ فهذا الشباب الممتلئ بالأفكار المختلفة غير المتناغمة أنتج هذه الثقافة الجديدة من التدين، التي تعبر عن نفسها من خلال تجديد في الأسلوب والذوق واللغة والرسالة". مرجع (٨)
"إن الشباب هو الذي خلق لنفسه هذه الثقافة الدينية الجديدة التي تتمحور حول ظاهرة (الدعاة الجدد) كنوع من (الموضة)؛ فهي منفذ للتنفيس عن احتياجات إنسانية متناقضة: احتياجات للتغيير والتأقلم، للتميز عن الآخر والتشابه معه، للتفرد والالتزام بالمعايير الاجتماعية، وبالتالي فإن التمسك بهذا النوع من التدين الإيجابي يسمح للشباب بأن يحافظ لنفسه على هوية تميزه، وفي الوقت نفسه يتعامل مع التغيير الحادث من حوله، وهو إذ يفعل ذلك يتحرك في إطار المعايير الاجتماعية ولا يضطر إلى خرقها". مرجع (٨)