للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعقب أحداث ١١ سبتمبر، اتجهت السياسات الحكومية في الوطن العربي خاصة، في ظل فشل الخطاب الديني الرسمي على كسب ثقة الجماهير، وعدم قدرة هذه الدول على تحقيق نجاح قومي أو وطني، وزيادة الإقبال لدى الناس على التدين، وتصدر عدد من العلماء والدعاة بخطاب علمي مؤصل وفقه للواقع وتقديم رؤية شاملة للإصلاح السياسي والاجتماعي تقوم على أساس من الدين الإسلامي .. الأمر الذي هددَّ مستقبل هذه النظم العلمانية في هذه البلدان، وخروج الطاقات الشبابية عن سيطرتها وسيطرة العلماء .. اتجهت إلى صياغة بديل قادر على حرف مسار هذا التيار القادم والعارم -كما يبدو، وليس بالضرورة لديها أن يكون رسمياً، لكنه مسيطر عليه أو في أقل الأحوال "غير متمرد"!!

وهذا البديل يشمل المناهج التعليمية والخطاب الدعوي والمؤسسات والقيادات الفاعلة في الأوساط الاجتماعية والشبابية. وربما تتم صياغته بالاتفاق مع أكثر من جهة تتصل مصالحها مع قيام "بديل" بهذا النوع والحجم!! "وفي وزارة الأوقاف -المصرية- تشدد مشاريع الإصلاح على الدور الاجتماعي للمسجد وعلى أهمية المجتمع المدني والاكتفاء الذاتي. إن إحدى حلقات الدراسة في الأزهر تطرقت إلى ضرورة إعادة صياغة الدعوة انطلاقا من تعاليم التسويق الأمريكية". مرجع (٩)

وفي فترة سابقة من تاريخ الأنظمة الحالية، كان لزاما على أجيال سابقة إذا أرادت أن تعبر عن مشاعرها الدينية، وتظهر ملامح هذا التدين .. أن تنضم إلى جماعة؛ أو هكذا كان يبدو الأمر عند الحركات الإسلامية ذاتها! فكان ذلك يكلفها بمقتضى التضييق الأمني ضريبة لا يستطيعها الكثيرون اليوم، لكن هذا "التدين الجديد" قدم طريقة مغايرة لما عليه فكر الحركة الإسلامية! فهو يمارس العمل الدعوي ويعبر عن تدينه وينشط اجتماعيا بل وربما سياسيا، دون أن يتعرض للملاحقة والاعتداء في الغالب، لا لشيء سوى لأن مطالبه لا ترتقي إلا مطالب الحركة، فهو يعمل في مجموعات صغيرة ذات أهداف محدودة يشارك فيها الجميع علانية، وتعالج -إن عالجت- ظواهر الأمور وشكليات المشاكل! وهو بالتأكيد يستحضر صورة الصراع الدامية التي حدثت لأجيال سابقة ويريد أن يتجنبها!

٥) الغرب:

وأقصد بالغرب هنا ذلك المزيج من التحالف الغربي الذي يستهدف العالم الإسلامي حضارة وأمة ومقدرات. فبعض أوجهه سياسية، أو اقتصادية، أو ثقافية، أو عسكرية .. وتارة يتمثل في منظمات دولية وأخرى في مؤسسات ومساندات محلية. ومن مصلحته -في ظل هجمته على العالم الإسلامي- الانحراف بالتوجه والخطاب الديني الذي يكرس الندية بين العالمين الإسلامي والغربي، وتهدئة لغة التعبئة التي يقوم بها العلماء والدعاة ضد كل ما يخالف الدين الإسلامي واستقلالية الأمة.

وقد احتلت مسألة مخاطبة العالم الإسلامي مؤخرا الأولوية في قائمة الاهتمامات الخارجية لدى الغرب، فالإذاعات العربية والقنوات الفضائية "المعربة" تنال الرعاية والتمويل من قبل الحكومات هناك.

وليس أدل على ذلك من مشروعي قناة "الحرة" وإذاعة "سوا" اللتين افتتحتا مؤخراً في المنطقة. والملاحظ أن الغرب قلق من "الخطاب الديني الإسلامي" أياً كان، متطرفاً أو متساهلاً!! فالكل يخضع للرقابة والمتابعة والتحليل!! ومن المضحك أن شخصية كفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي -حفظه الله- وهو يُعدُّ عند الكثير من العلماء والدعاة من المتساهلين في أحكامه ومواقفه في المسائل الحادثة والأحكام الفقهية، لا يجد قبولاً في الأوساط السياسية والإعلامية، بل واجه مؤخراً حملة تصفه "بالتطرف" و "الإرهاب"!! لا لشيء سوى لمواقف الشيخ تجاه الاحتلالين الإسرائيلي لفلسطين والأمريكي للعراق!!

<<  <  ج: ص:  >  >>