يعيش العالم تخبطاً فكرياً واقتصادياً واجتماعياً، فمن الحداثة إلى ما بعد الحداثة، ومن البنيوية إلى التفكيكية، يقول الباحث الأمريكي (دانيال بل) عن الحداثة: "لقد وصلت إلى منتهاها، إلى نهاية الشوط التاريخي، ولم تحقق السعادة للبشر بالرغم من شيوع السلع وتوافرها، مما أدى إلى العودة للبحث عن (الإشباع الروحي) .. "ومذهب التفكيكية في الأدب هو الفوضى الشاملة، لأن المعرفة في نظرها كيان متغير، دائم التحول في دوامة الصيرورة، وأنه من الاستحالة تثبيت معنى واحد للكلمة، بل لها معانٍ تتكاثر وتنتشر بلا حد، وهذا المذهب هو التخريب بعينه لأنه تشكيك في الأفكار واللغة والنص والسياق
وفي الاقتصاد وبعد أن هيمنت نظرية (السوق) والرأسمالية المتوحشة، سقطت كثير من الدول في المديونية والإفلاس، وخضع القرار السياسي للقرار الاقتصادي.
هل يستطيع المسلمون أمام هذا الاضطراب في الأفكار أن يقدموا شيئاً قوياً للإنسان وللإنسانية في الفكر والسلوك والأعمال الاجتماعية؟
إن واقع المسلمين ينبئنا على أن هناك بعض المبشرات:
١ - فشل الأفكار التي غزت المنطقة: كانت المنطقة العربية في عمومها وكأنها محطة تجارب لأفكار مستوردة، نبتة غريبة أرادوا زرعها في أرض غير أرضها، وإذا صلحت في مكانها فهي لا تصلح في مكان آخر، جربوا الليبرالية والقومية العنصرية والاشتراكية ... وقد فشلت كل هذه الأفكار على أرض الواقع والتطبيق العملي، وكان من نتائجها كوارث كبرى أصابت المنطقة. ومنها كارثة ١٩٦٧ فيما سمي بحرب الأيام الستة بين إسرائيل والدول العربية المحيطة بها، حيث خسرت هذه الدول صحراء سيناء والضفة الغربية والجولان، وكذلك كارثة ١٩٩١ حين استولى العراق على أرض الكويت، وما تبع ذلك من انقسام في العالم العربي، وتدخل الغرب وفرض الحصار على العراق. وهذه الأفكار المستوردة كانت أفكاراً هجينة، فلم تكن الليبرالية العربية هي ليبرالية الغرب، ولا الاشتراكية العربية هي اشتراكية بعض الدول والأحزاب في الغرب، وإنما هي صورة مشوهة مختلطة بالفساد الإداري والنزعات العائلية والقبلية والصراع بين المدينة والريف، عدا عن أنها أفكار هي في الأصل مضادة لعقيدة الأمة وتطلعاتها، وكان البديل هو الإسلام، فالناس يريدون حكاماً لا ينهبون خيرات البلاد، ويريدون حكاماً يعملون لصالح أوطانهم كما حدث في تركيا بعد أن عاشت عقوداً من العلمانية المتطرفة ومصداق ذلك نتائج الانتخابات في أي بلد عربي إذا أجريت بنزاهة وتجرد.