٢ - تراجع العولمة: العولمة كفكرة هي في الغالب مبدأ للهيمنة الاقتصادية، ولا بد أيضاً من الهيمنة الثقافية التي تخدم الاقتصادية، وقد بدأت بالشركات الكبرى متعددة الجنسية، وكذلك مؤسسات النقد العالمية في أمريكا، والعولمة الثقافية تحاول فرض (التغريب) على شعوب المنطقة، وهذه العولمة وإن كانت قد فرضت نفسها على الواقع في كثير من المناطق في العالم وهي مستمرة، ولكنها لم تنتشر وتتقوى كما كان يخطط لها أصحابها أو كما يتصورون، والمعارضة لها قوية خاصة من الذين يريدون الحفاظ على البيئة، والمسلمون يمكن أن يستفيدوا من العالمية لا من العولمة فرسالتهم عالمية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ١٠٧] والعالم واسع، والعالم ليس الغرب فقط، العالم مفتوح للدعوة بالحسنى، الشرق الأقصى بكل دوله له مكانته الآن، البلدان التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي أكثر سكانها مسلمون، وهي مجال حيوي لإستراتيجية إسلامية، عندما يحمل المسلم نفسية العالمية وعندما يملك المعرفة والشجاعة، فستكون القارات الخمس من مجاله الدعوي، وسنرى أن هناك جوانب عقدية وسلوكية تفتح للمسلم منافذ للقوة والرزق، وفي العادة فإن المغامر لا يكون من غثاء الناس بل هو الذي يحوّل المكان لخدمته، وإن سنة التدافع تجعل المسلم في المشاركين في موجات التاريخ وأن يقدم نموذج الإنسان الذي تخلص من أمراض الحضارة المعاصرة، وهو النموذج الذي تفتقده البشرية اليوم، حيث تعاني من الرأسمالية المتوحشة كما تعاني من الاتجاهات المادية وتغوّل الدولة على الفرد.
٣ - ظاهرة النمو السكاني: من عوامل قوة الدول كثرة سكانها، وكان من مظاهر ضعف الدولة العثمانية في أواخر أيامها قلة السكان وفي الوقت نفسه كان الانفجار السكاني في بريطانيا الذي رافق النزعات الاستعمارية عند الأوروبيين، وكان من نتائجه الهجرة إلى أمريكا وأستراليا وتكوين دول ومستعمرات، وفي العصر الحديث لا شك أن أحد أسباب النمو الكبير في اقتصاد الصين هو كثرة سكانها. وقد يقال أن الكثرة ليست دائماً مؤشراً على القوة، وهذا صحيح، ولكن هذه الكثرة مع التعليم والتدريب العالي وتوفر العدالة الاجتماعية، وزرع الثقة في النفوس كل ذلك سيجعل في الكثرة قوة صالحة. تعاني أوروبا اليوم من النقص من عدد السكان، وتحاول التعويض عن ذلك باحتكار التفوق التكنولوجي والعسكري، ففي عام ٢٠٠٠ للميلاد كان عدد سكان أوروبا ٧٢٨ مليون وسيصبح هذا العدد ٦٠٠ مليون عام ٢٠٢٥م، وهذا يعني نقصاً في الأجيال الشابة، المسلمون اليوم هم أكثر من خمس سكان العالم، ونسبة الشباب في هذا العدد الكبير هي المتفوقة على الشعوب الأخرى، وهذا مؤشر لتنمية قوية تعيد للمسلمين دورهم الإيجابي في العالم.