(٢/ ٤)
مؤسسة الدرر السنية - القسم العلمي
الأربعاء ٦رجب١٤٣٢هـ
الهجر كعلاج للبدعة:
ومن بين أهم المعالجات التي شرعها الإسلام في مواجهة بعض الانحرافات -ومن بينها البدعة- هجر أصحابها، وذلك لتضييق دائرة تأثير أصحابها وقصر مفسدتها وإظهار المجتمع في موقف الرافض لها ليستفيق صاحبها من غفلته ويعود إلى رشده.
ومن فوائد الهجر التي قصدها الشارع:
١ - بعث اليقظة في نفوس المسلمين من الوقوع في البدعة وتحذيرهم منها.
٢ - تحجيم انتشار البدعة.
٣ - إعطاء ضمانة للسنن من شائبة البدع.
٤ - قمع المبتدع وزجره ليضعف عن نشر بدعته. [انظر رسالة (هجر المبتدع)، بكر بن عبد الله أبو زيد -رحمه الله، إعداد سلمان بن عبد القادر أبوزيد، بتصرف.].
فمعاشرة صاحب البدعة ومخالطته فتولد في صاحب البدعة طمأنينة إلى ما هو عليه، وربما أشعره بقبول المجتمع لبدعته وتزكيته إياها؛ وهذا قد يُغرر بالعامة، إذ أن العامة غالبا في حال جهلهم لا يفرقون بين السنة والبدعة، وربما استحسنوا ما استحسنه المبتدع فوقعوا فيما وقع فيه، فلا بد إذاً من الحجر على المبتدع استصلاحاً للديانة، وأحوال الجماعة، وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان.
وبعد أن نقل الشاطبي -رحمه الله تعالى- بعض الآثار في النهي عن توقير المبتدع، قال: (فإن الإيواء يجامع التوقير، ووجه ذلك ظاهر؛ لأن المشي إليه والتوقير له تعظيمٌ له لأجل بدعته؛ وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا كالضرب والقتل، فصار توقيره صدوداً عن العمل بشرع الإسلام، وإقبالاً على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به، والعمل بما ينافيه)
[(الاعتصام) (١/ ٨٥).].
وعلى كل حال فإن غياب التعامل الصحيح للمبتدع يحيي البدع ويميت السنن، وفي هذا هدم للإسلام بعينه.
أنواع الهجر:
أنواع الهجر ثلاثة:
الأول: الهجر ديانة، أي: الهجر لحق الله تعالى، وهو من عمل أهل التقوى، في هجر السيئة، وهجر فاعلها، مبتدعًا أو عاصيًا.
وهذا النوع من الهجر على قسمين:
١ - هجر ترك: بمعنى هجر السيئات، وهجر قرناء السوء الذين تضره صحبتهم إلا لحاجة أو مصلحة راجحة، قال الله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: ٥]، وقال سبحانه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: ١٠]، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٦٨]، وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: ١٤٠]، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) [أخرجه البخاري في الإيمان.].
٢ - هجر تعزير: وهذا من العقوبات الشرعية التبصيرية التي يوقعها المسلم على المبتدعة على وجه التأديب، في دائرة الضوابط الشرعية للهجر حتى يتوب المبتدع ويفيء.
وهذا النوع بقسميه من أصول الاعتقاد، والأمر فيه أمر إيجاب في أصل الشرع، ومباحثه في كتب السنن والتوحيد والاعتقاد وغيرها.
النوع الثاني: الهجر لاستصلاح أمر دنيوي، أي الهجر لحق العبد، وفيه جاءت أحاديث الهجر بما دون ثلاث ليال، رواها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأسانيد في الصحيحين وغيرها، وجميعها تفيد أن الشرع لم يرخص بهذا النوع من الهجر بين المسلمين إلا بما دون ثلاث ليال. وليس هو مجال حديثنا.