إن واقع كثير من هؤلاء لا يتعدى نظره لهذه الأحداث سوى علامات التعجب والإستغراب لما يقع خلاف السياق عند غيره في الظاهر .. لكن أن ننتقل إلى سلوك واضح بعد تقويم عملي فهذا قد لا يدخل دائرة تفكيره ..
فإذا أردنا العبرة الحقة فلينتقل السياق إلى التصور الصحيح، والعمل السليم المبني على الشعور بالمسؤولية، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في مسيرة دعوته كلها. ابتداء من وصفه بالأمين قبل البعثة إلى أن أشهد الناس في حجة الوداع على قيامه بالتبليغ .. ولكل من هؤلاء وأولئك مجال عظيم في سيرته لتلقي ما يعنيه. وهذا يحتم على كل مسؤول أيا كان نوع المسؤولية القيام بها بمقتضى الأمانة وعظمها، ومن هنا تسد كل ثغرة يمكن أن يلج منها كل مفسد ومخرب، وعدو متربص، وحاسد وحاقد، كما يسد فيها باب الظلم والتعدي، والتجاوز.
الخامس: أظنه لم يعد خافيا أن للأعداء أيد متنوعة تهدف إلى العبث في ديار المسلمين مستهدفة ما يجعلها في المرتبات المتأخرة، والتابعة لغيرها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا، كما تكون بحاجة مستمرة لهؤلاء الأعداء, وعالة عليهم حتى في أدق حاجياتهم من المآكل والمشارب، والألبسة, والمراكب .. الخ
وهذا يحتم علينا -في جميع المستويات -أمور منها:-
١ - تجديد الوعي بما ذكره الله سبحانه وتعالى من عداوة الشيطان لبني آدم, والعمل الجاد لمحاربته.
٢ - تجديد الوعي بما ذكره الله سبحانه وتعالى من تربص أعداء الإسلام والمسلمين بالمسلمين وإن بدت نواجذهم بالضحك، ويتبع ذلك دراسة أحوالهم وخططهم وحيلهم ضد الإسلام وأهله ودياره.
٣ - إعادة النظر في مناهجنا الحياتية وسائر أحوالنا المختلفة وترتيب الأولويات للقضايا والأعمال على مستوى الأفراد والمؤسسات.
٤ - وهذا لا يعني عدم التعامل مع الأعداء بل يجب أن يتعامل معهم وفق المنهج الشرعي القائم على الحسنى، لكن هذه الحسنى تفرض ذلك الوعي المنشود.
٥ - ترك المناقشات والمماحكاة التي لا تؤدي إلى نتائج إيجابية مثل (قضية المؤامرة)
إقرارا لها أو نفيا لها فالإقرار المطلق لكل شيء مرفوض عقيدة، والنفي المطلق مثله، ويبقى حسن الوعي للأمور العملية هكذا أحسب كما جاء في تعاليم القرآن الكريم.
٦ - تربية الأمة - من أهل التربية كل فيما يخصه - على حقائق القرآن الكريم الخاصة بالتعامل مع الآخرين أيا كانوا لندرك تلك القيم العليا التي تحفظ الأمة من الشرور والآثام، وتسد الثغرات التي ينفذ منها الأعداء والحساد، كما تحفظها من الاستعجال، وردود الأفعال، واقتراف المحرمات والمنكرات.
السادس: لا شك أن مبدأ الإصلاح: مبدأ إسلامي منطلق من القرآن الكريم والسنة النبوية، بل إنه مهمة الأنبياء والمرسلين، ومن ذلك: إصلاح الأفراد -أيا كانت مواقعهم وأحوالهم - والمؤسسات، والوزارات، لكن مما ينبغي تذكّره هنا:
١ - أن للإصلاح منهجا يقوم عليه، ذكره الله في القرآن الكريم وفصلّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية، وطبقه عمليا عليه الصلاة والسلام في سيرته, وكتب فيه الأئمة والعلماء كتابات مستفيضة قديما وحديثا، وعليه ينبغي بل يتأكد على أهل العلم إبراز ذلك المنهج بوضوح، وله تفصيلات ليس هذا مقامها فهو العاصم بإذن الله من الزلل والإنحراف والغلو والشطط.
٢ - من أهم المهمات في الإصلاح وضوح الغاية والهدف، فلا تكفي الشعارات البراقة ولا العمومات، ولا الدعاوى غير الواقعية، وهذا الوضوح ينفي الفردية والأنانية، والمصالح الذاتية، والارتقاء على كتف الإصلاح إلى مآرب أخرى، والغاية حددها الله سبحانه بـ (البلاغ) وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (اللهم هل بلغت فاشهد).