٣ - حسن الغاية لا يبرر الوسيلة، وهذه قاعدة راسخة من أعظم القواعد في الإصلاح، تعني أنه لا يجوز الوصول إلى الغاية الشريفة بوسائل محرمة مهما كان حسن الغاية، وشرفها، وعظمها، وبذلك يجب تحكيم الشرع في هذه الوسائل
ومن ذلك: الإنتحار وحرق الأجساد والأنفس، والتعدي على الممتلكات، والتخريب والدمار، ولقد مر على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الضيق والشدة والكرب في مكة وفي المدينة مالم يمر مثله على كثيرين مما لا يعلمه إلا الله تعالى لكنه عليه الصلاة والسلام لم يتجاوز المشروع إلى الممنوع، بل رسم منهجا يجب أن يقتفيه أهل الإصلاح عنوانه (العمل والصبر) مهما كانت الأحوال ومهما بلغت من الضيق والشدة. وبلا شك أن هذا المنهج ينفي ردود الأفعال السلبية، والعواطف غير المرشدة، كما ينفي الجمود وعدم التحرك للإصلاح والقعود والكسل.
٤ - ولكي يبلغ الإصلاح المبلغ المطلوب ويوصل إلى غايته يجب أن يتمسك بآدابه حتى لا ينفرط الزمام، وتتسع الفجوات لدخول الأعداء والمتربصين،
وتلك - وأيم الله - مهمة عظيمة - أعني مهمة المصلحين - لكن لا يبلغ شرفها إلا من اتسم بتلك الآداب، وأخلص فيها القصد، وتحرر من الذاتية والحزبية.
السابع: الظلم عاقبته وخيمة، والظلم ظلمات ونتيجته حتمية في الدنيا والآخرة، تأملوا قوله تعالى:] ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا [وقوله صلى الله عليه وسلم: (واتق دعوة المظلوم فإن دعوته مستجابة) وقوله أيضا: (الظلم ظلمات).
وعند التأمل في بعض ما جرى من أحداث نجده نتيجة للظلم، فالدوائر تدور على الظالمين ولو بعد حين. ومن هنا يتحتم العمل بتحري العدل في كل شيء حتى على مستوى الأسرة الصغيرة، فكثير من الإنحراف والبغي والعدوان والقتل والتدمير سببه الظلم.
وبالظلم تحصل كثير من الآفات المجتمعية، والأمراض الفتاكة والجوع والبطالة، والقهر، ومن ثم السرقة، والمخدرات، والاعتداء على الأعراض، وسلب الأموال، كلها نتائج مؤهلة للظلم. وهذا يستوجب الوعي بذلك في مختلف الأحوال، لكي يبتعد الجميع عن الظلم، ليس في الأموال فحسب وإنما في سائر الحقوق.
ولا شك أن ضد الظلم: العدل، وهو المنشود في كل مسؤولية.
الثامن: في مثل هذه الأحوال التي تدور بين اليأس - كما في حال العراق، والصومال، والسودان (الآن) ولبنان -وبين التطلع إلى الأفضل كما يراه البعض في حال تونس، يرد سؤال وهو: أننا نردد وجوب الاتحاد بين الدول وتوحيد الكلمة، فنلقي باللائمة والواجب إما على الدول، وإما على المجتمعات وإما على الحكام .. وهكذا دواليك، لكن ما الواجب على الفرد المسلم في سائر المجتمعات؟ وهو سؤال في غاية الأهمية ينحى فيه المجيبون مناح عدة منها:- العودة إلى الإجابة العمومية وهنا يبقى الإشكال نفسه، ومنها: الإنتقال إلى عمومية أخرى كالإتيان ببعض البشارات العامة وطلب الفأل دون تفقيط عملي.
ومنها: اليأس والقنوط أنه لا مخلص أبدا ومن ثم القعود والكسل وعدم العمل. ومنها: أن هذه الأحداث لا تخص الأفراد مطلقا بل هي واجب على الحكومات ومن ثم يقع الفرد في توتر مستمر، ويتواصل التوتر إلى الأسرة والشارع ويقع ما يقع من المفاسد العظمى .. ومنها: الإجابة بدور الفرد إلى أن يحمل ما لا يحتمل فيباشر التغيير العام، فيقع فريسة للأحزاب والمنظمات والمتربصين ونتيجة ذلك: القتل والتدمير والرجوع إلى الوراء، ولذلك أرى أنه يتحتم على العلماء والعقلاء وأهل الرأي والفكر والدعوة أن يفقطوا دور الفرد بشفافية ووضوح ويوصلوه إلى الأفراد لئلا تزل قدم بعد ثبوتها، وأشارك هنا في ذكر النقاط الآتية:-
١ - أن من دور الفرد: الإعداد العلمي والتربوي له ولمن تحت يده كل بحسبه.