فالكلمات التي تملأ فضاء الناس من قبيل (الحملة ضدّ هذا المشروع فاشلة) و (إنكار هذا المنكر خاسر) و (ستخسرون) و (ستفشلون) .. كلام من لا يعرف ما هو الفشل والنجاح في معادلة هذه الشعيرة، الفشل والخسارة في عدم تحقيق مقصد الشريعة، القيام بها نجاح بحدّ ذاته يكفي في نجاحه أن تبقى المفاهيم صحيحة، فلو أن شخصاً صلى في مسجدٍ ما عشر سنوات، وقام فيه الليالي الطويلة، ثم هدم هذا المسجد وسوّي بالأرض هل يكون هذا الرجل فاشلاً خاسراً؟ أبداً، ولا من قام ونصح وبيّن ثمّ ثبت المنكر واستقرّ لا يكون فاشلاً ولا خاسراً.
هذا الربا منتشر في كل المجتمعات الإسلامية لكن الجميع يقول هو حرام، وقل مثلها في الخمور والتبرج وغيرها.
وهل وقف هذا التثبيط عند هذا الحدّ؟
لا، فالضعف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرض يصيب النفوس فتظهر كثير من الأعراض على فكره وسلوكه من حيث لا يشعر، وتتشكّل في صور عديدة ليست إلا عرض لهذا المرض،
فمرّة يقول: (هذا المنكر قادم قادم) ويتحدّث بلغة الفاهم العارف بالمحيط السياسي والمتغيرات الدولية، وما أدري ما قيمة كونه قادم أو غير قادم في الأمر والنهي، يا أخي لو كان قائماً بجذوره لوجب إنكاره ولما ساغ السكوت عنه، فكيف تزول هذه الشعيرة مع شيء لمجرّد أنه سيقدم؟
والمشكلة الأكبر: أنّ هذه المنكرات القادمة كثيرة جداً، وإذا أبيد الحسّ الشعبي الرافض والممانع لأي سلوك أو فكر يخالف أصوله وقيمه فمعناه أننا سنكون مستعدين نفسياً للقبول بكافة المنكرات والانحرافات التي يخطّط لها، ليس فقط مجرد تخطيط، بل الأمر وصل إلى حدّ التنفيذ ومتابعة الدول ومعاقبة المتخلّف كما هي قرارات الهيئات والمؤتمرات الدولية التي تريد فرض أجندتها الفكرية في إشاعة الفاحشة وتطبيع العلاقات المحرّمة على كافة الدول، فمع هذه النفسية الهزيلة لا يمكن للمجتمعات المسلمة أن ترفض أي شيء من هذه المؤتمرات والقرارات، وما عليهم سوى أن يقرروا حتى تكون قراراتهم موضع التنفيذ لدينا لأننا أصحاب حكمة ونظر في عواقب الأمور!
ومرّة يقول (الناس لديهم تحديات كبيرة تمسّ هوية المسلم وتعرّض أصوله للذوبان ... ) ويواصل في الحديث حتى يهوّن من أي منكر غيره، وكأن وجود منكر كبير يكون سبباًَ لترك ما دونه من المنكرات؟
وآخر يستغرب: (لا يصحّ المطالبة بجميع الأحكام الشرعية وإنما تكون المطالبة بالحدّ الذي يمكن أن يكون مقبولاً وممكن التحقيق) ولا مشكلة أن يكون هذا جزء من التنوع في الإنكار، فينكر بعضنا المنكر بكلّيته، ويطالب بعضنا بالتخفيف منه، لكن الإشكالية الحقيقية أن تكون هذه المطالبة الجزئية هي الأصل والحكم الشرعي وما عداه فهو غير واعٍ ومحطّ استخفاف وعيب؟
إلى غير ذلك من التبريرات التي ليته جعلها خطاً له ومنهجاً خاصاً به، لكنّه يريد فرضها على بقية الإخوان المحتسبين الغيورين الذين فيهم عزيمة وقوّة واستعداد للتضحية والبذل فيفتّ في عضدهم بمثل هذه الأشكال التبريرية التي ليست إلا أعراض للضعف الذي يصيب الإنسان.
إن مفهوم (الإعذار) يعني أن الله تعالى يريد من عباده أن يشيعوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يكون ظاهراً بينهم حتى ولو لم يكن ثمّ نتيجة أو ثمرة لذلك، فالمقصود أن تعذر وتبرئ ذمتك وتظهر براءتك وإنكارك، حينها فأي دعوى أو قول ينافي هذا الأصل فهو معارض لمقصد الشريعة.