للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومال إليه الدكتور حسين كامل فهمي، ورأى ضرورة إعادة النظر في التكييف الفقهي المعمول به حالياً بالنسبة للحسابات الجارية في البنوك الإسلامية ليصبح: وديعة (بمفهومها الشرعي) لدى كل من البنك الإسلامي، والبنك المركزي في نفس الوقت، مع الإذن للبنك المركزي فقط باستخدامها (١).

القول الثالث: إنها تدخل تحت عقد الإجارة.

أي أن الإجارة واقعة على النقود، وأن ما يدفعه المصرف لصاحب النقود هو أجر لاستعمال هذه النقود، وهذا القول نقله بعض الباحثين ولم ينسبه لأحد، وانتقد بأنه قول من أراد أن يستحل فوائد الربا من البنوك (٢).

وهناك قولان آخران، يغلب عليهما أنهما من أقوال القانونيين؛ فأكتفي بإيرادهما فقط:

الأول: إنها وديعة شاذة أو ناقصة، أي: وديعة مع الإذن بالاستعمال.

الثاني: إنه عقد ذو طبيعة خاصة، أو إنه ليس من العقود المسماة.

أدلة الأقوال:

أدلة القول الأول:

١ - إن المال في الحساب الجاري عبارة عن نقود يضعها صاحب الحساب وهو يعلم أن المصرف يتصرف فيها، ويخلطها بالأموال التي لديه بمجرد استلامها وإدخال بياناتها بالحاسب، ثم يستثمرها، وقد دفعها إليه راضياً بذلك فكان إذناً بالتصرف؛ فهذه الأموال في حقيقتها قرض وليست وديعة (٣).

٢ - أن المصرف يملك المال في الحساب الجاري، ويتصرف فيه فيكون قرضاً، وليس إيداعاً، إذ في عقد الإيداع لا يملك الوديع الوديعة، وليس له أن يتصرف فيها، والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني، وتسميتها وديعة إنما هو على سبيل المجاز لا الحقيقة لعدم توفر حقيقة الوديعة فيها (٤).

٣ - أن المصرف يعد ضامناً لأموال الحساب الجاري برد مثلها، ولو كانت هذه الأموال وديعة بالمعنى الحقيقي لما ضمنها المصرف، والمديونية والضمان ينافيان الأمانة، بل لو شرط رب الوديعة على الوديع ضمان الوديعة لم يصح الشرط؛ لأنه شرط ينافي مقتضى العقد، وكذلك لو قال الوديع: أنا ضامن للوديعة لم يضمن ما تلف بغير تعد أو تفريط؛ لأن ضمان الأمانات غير صحيح، وهذا على خلاف المعمول به في المصارف قول على أن مال الحساب الجاري قرض وليس وديعة (٥).

٤ - من المعلوم أن المصرف لا يأخذ أموال الحسابات الجارية كأمانة يحتفظ بعيها لترد إلى أصحابها، وإنما يستهلكها ويستثمرها في أعماله، ومن عرف أعمال البنوك علم أنها تستهلك نسبة كبيرة من هذه الحسابات، وتلتزم برد مثلها، وهذا واضح في أموال الحسابات الجارية التي تدفع بعض المصارف عليها فوائد ربوية، فما كان المصرف ليدفع هذه الفوائد مقابل الاحتفاظ بالأمانات وردها إلى أصحابها فقط (٦).

أدلة القول الثاني:

(١) أن أموال الحساب الجاري عبارة عن مبالغ توضع لدى المصرف ويسحب منها في الوقت الذي يختاره المودع، وذلك كل ما يطلب في الوديعة الحقيقية، ولا توجد أي شائبة في ذلك (٧).


(١) ينظر: مجلة المجمع ٩/ ١/٦٩٤، ٧٠٠.
(٢) ينظر: حكم ودائع البنوك، للسالوس (ص٥١)، الحسابات الجارية، د. مسعود الثبيتي (مجلة المجمع ص٨٣٥).
(٣) ينظر: بحوث في المصارف الإسلامية (ص٢٠١).
(٤) ينظر: حكم ودائع البنوك (ص٦١)، النظام المصرفي الإسلامي، د. محمد سراج (ص٩٣)، مجلة المجمع (ص٧٣٠).
(٥) ينظر: الودائع المصرفية، للحسني (ص١٠٥)، حكم ودائع البنوك (ص٥٢)، النظام المصرفي الإسلامي (ص٨٨)، الربا والمعاملات المصرفية، للمترك (ص٣٤٧)، مجلة المجمع (ص٨٨٣).
(٦) ينظر: حكم ودائع البنوك (ص٥٢)، بحوث في المصارف الإسلامية (ص٢٠١).
(٧) ينظر: الودائع المصرفية، للأمين (ص٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>