وهذا شكل من الركون إلى الدنيا، والإعجاب ببعض الظلمة والفساق، ممن لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، لكن يرجو منهم شفاعة، أو نيل وجاهة، أو بلوغ مكانة! فيدنو منهم ويصانعهم، وقد يزين له الشيطان صلاحهم، وإمكانية هدايتهم فيقع في مفاتنهم وشهواتهم، فيضرب في الدين خبط عشواء، وتتساقط كلمته وهيبته في الناس قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:٩]
قال الحسن رحمة الله في معناها: (لو تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم)
وجاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: ((من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن))
٧) استسهال الفتن: قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:٣٥].
الفتن كلمة جامعة لكل مناكد الحياة ومخاطرها وشهواتها، ومفسداتها، وهي تبدأ مع الداعية الصالح، بمشتبهاتها وصغارها، من النظرة واللمسة والمخالطة والإعجاب إلى أن تقع منه موقعاً شديداً، يصعب معه التخلص منها، ما لم ينفر منها، ويجدد الإيمان، ويديم الاستغفار، وقد جاء في الحديث الصحيح:
((تعرض الفتن عرض الحصير عوداً عوداً فأيَّ قلبٍ أُشربها نُكِت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكته بيضاء .. ))
٨) إهمال التجديد الإيماني: قال تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:٤].
صح قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الإيمانَ ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجِّدد الإيمانَ في قلوبكم))
فتجديد الإيمان ضرورة حياتية ودعوية لابد لنا منها لاستكمال الحياة، وعيشها بهناء، وللسلامة من الفتن والأرزاء، قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: (والله إني إلى الآن لأجدّد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعدُ إسلاماً جيداً)
٩) نسيان المجاهدة: قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].
ليس ثمة معيار أعظم من المجاهدة والمحاسبه في زمن الفتن والتخبط والأهواء لأنه درء للباطل وترسيخ للثبات على الحق، وتعميق للإيمان، وإغاظة للمنافقين. فالمؤمن وهو يلتهب بمسيل الفتن والإغراء، لابد له من جهاد نفسي، ومراغمة لما يرى ويسمع، ليسلم له الدين، ويصان الجوهر، ولا تكدر المحاسن، قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} قيل معناها إتيان الأوامر، وترك الزواجر، صوناً للنفس، وطاعة لله تعالى.
١٠) قلة التواصى: قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣].
هذا منهج رباني، أهملناه كثيراً في الإطار الدعوي والعلمي، ولعل من أسباب الإهمال تمنع بعض الدعاة الكبراء من الإصغاء، واعتقاد مطلق الوصاية والتوجيه! وهذا خطأ منهجي لأن العلماء مهما سموا وعظموا، لايزالون في محيط البشرية، التي يعتريها السوء والغفلة والانخداع، فلابد من مناصحتهم وتحقيق مبدأ التواصي معهم، لئلا يجتاحهم العجب والخيلاء، ويستغلوا أو يستزلوا من قبل أعداء الدعوة، وزمر المنتفعين، وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم في مسلم: (الدين النصيحة) وفي سنن أبي داود كرر ذلك ثلاثا.
١١) تقصير الخاصة: قال تعالى: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح:٩].