ونقصد بهم أحباء الشيخ وتلاميذه وخريجيه، ومن لهم به حظوة، ومعرفة، ويدركون مداخله ومخارجه، وله عليهم الحب والمتابعة، والنصح والتذكر، والإعانة والتسديد، فهولاء هجرهم لشيخهم في زمان الفتن، وعدم نُصْحه وتسديده، قد يؤدي إلى حضور غيرهم، وشعوره بالعزلة، فينبرى إليه غيرهم ممن لا يريد بالشيخ خيراً، وبالدعوة فضلاً وسمعة، فيوقعه في مزالق غير محمودة، ويمرر به أفكاراً مشبوهة، وفتاوى مستغربة.
١٢) تغيير المساق: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: ١٣].
من كان يُعرف بالحزم بات للين أقرب! وحامل الجد حامل هزليات الآن، وصاحب الإنكار باتَ رهنَ العقار، والخطيب المفوة، صار فضائياً مموهاً! فقلَّ العمل، وضعف التأثير، وسادت الدنيا، وفترت الجماهير، وقلَّت القدوات، وشحَّت المراجع، وأصبحنا نخوض مع الخائضين، والله المستعان.
قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: ١١٢].
جاء عن عمر رضى الله عنه أنه قال: (استقاموا والله لله، ولم يروغوا روغانَ الثعالب)
١٣) مكر المتربصين: قال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: ٥٠].
ومكر المتربصين من أعداء الدعوة، لا ينتهى عند يوم وليلة، أو حادثة أو حادثتين بل تخطيط مستمر، وتربص دائم، وتدبير طويل {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: ٤٦] يبدأ أول ما يبدأ بالرصد والمتابعة ثم الإهداء والاغراء!، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النحل: ٣٦].
وقد عرضت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ألوان الملك والشرف والمال والسيادة، لتعيقه عن هدفه، أو تخفف شدته وقناعته، فأبى واختار الحزم معهم، لعلمه بخطورة ذلك على الدعوة والنفس والأتباع.
وقد كان هذا من منة الله تعالى عليه، أن ثبته وصانه عن مكرهم وإغراءاتهم قال تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} [الاسراء: ٧٣ - ٧٤].
وهذا في نظرنا من أعظم أسباب تغير القدوات، وعدم إدراكهم بمكر المتربصين، الذي لا ينصب على مجرد الحرب والقمع والاضطهاد، بل يتلون ويأخذ شكلاً دنيوياً وإغرائياً ليتم لهم مسخ الإسلام وإشاعة الفساد والفحشاء من خلال وعاء كبير يسمى (سياسة الاحتواء) ثم إذا أسقطهم، ألقى بهم لنكبات الدهر، وإلى سلة الإهمال. كما قبل:
... وقضى حاجتهَ منهم وغشاهم فُضولُ ... عنهم استغنى كما استغنى عن النعل البخيلُ. ... وهذا مقصد وسياسة لكثير من المتربصين من المنافقين والشهواينين الذين يرون في الإسلام ودعاته، عقبة كأداء أمام مشاريعهم التخريبية والتغريبية، لأنهم، بتعليم الغرب- يدركون أن تحول المجتمعات المسلمة لا يكون إلا عبر عقول داخلية، وجلود عربية، وليست من الخارج، كما صنع في مصر حيث استفيد من الشيخ محمد عبده، ورفاعة طهطاوي، والكواكبي وغيرهم لتمرير بعض المشاريع الفاسدة، وإلى تلبس لباس العلم والفهم والتنوير .. والعلماء القدوات، ورقة رابحة إذا بُدلِّت، وتلوعب بأفكارها ومشاريعها، ولا حول وقوة إلا بالله.
(اللهم ثبتنا على دينك، واحفظ علماءنا وخيارنا من كل غائلة وسوء) آمين.
١٤) الاجتهاد غير المضبوط: