- الوحي: فما حَكم المولى عز وجل عليه بالكلية، فهو كذلك قطعًا كما في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران: ١٨٥). ولا يمكن أنْ يتطرق إليه الاستثناء إلا من الله عز وجل, كما في قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (آل عمران: ٩٣).
ومن أمثلة الحكم الأغلبي في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف: ١٠٣). وكذلك لا مكان لمعارضة الأحكام الأغلبية الصادرة من الوحي بأي استثناء مهما كان مبرره؛ إلا أن يكون الاستثناء منصوصًا عليه, فالاستثناء المنصوص كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ * مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل: ١٠٥ - ١٠٦).
- ومن طرق الحكم الكلي الاستقراء التام: وهو تتبع جميع الجزئيات في أمر ما للحكم بكلية تعلق وصف فيه, وذلك كقولنا كل طلاب القسم من أبناء المملكة, نتيجة تتبع جنسيات كل الطلاب, والاستقراء التام قطعي في دلالته؛ حين تكون أدواته صحيحة والقائم به موثوقًا, والغالب أنّه غير ممكن إلا في الكليات محصورة الجزئيات.
- أما الاستقراء الناقص: فهو تتبع ما يكفي من الجزئيات للحصول على ظن بكلية هذا الحكم على جميع الجزئيات.
والاستقراء الناقص أداة صحيحة لتكوين الأفكار بشرط أنْ تكون العينة المستقرأة ممثلة لنوعها بحيث يصح قياس جميع الجزئيات المهملة عليها؛ كالقول بأنّ أقل سن تبلغ فه النساء تسع سنوات؛ نتيجة لاستقراء طائفة من النساء من أجناسٍ مخلتفة وأجواء متغايرة, فهذا الحكم ظني بمعنى أنّه لا يمنع وجود استثناءات.
وكذلك الأحكام الأغلبية يمكن التوصل إليها عن طريق استقراءات ناقصة, وهي طريقة معتمدة منذ القدم لبناء الأفكار وفق شروط أصبحت اليوم أكثر دقة ومنهجية يعتمدها الإعلاميون والتربيون والمخططون والمفكرون.
وجميع الاستنتاجات الكلية والأغلبية الّتي لا تَصْدُر عن هذين الطريقين أعني النص والاستقراء تُعد انطباعات خاصة قد توافق الصواب، وقد لا توافقه لكن ينبغي أن لا تفرض على الرأي العام عبر وسائل الإعلام كما لا ينبغي ترويجها لدى صانعي القرار؛ بغية التوصل منهم إلى اعتماد قرارات تنظيمية أو جزائية أو تنموية بناء عليها.
أما محاولة فرضها على الرأي العام فهو كذّب ضار على المجتمع ولا يختلف ضررها حين تكون انطباعات سلبية عن ضررها حين تكون إيجابية, لأنّ تصوير المجتمع لنفسه أو تصوير أمر شديد التعلق به على خلاف ما هو عليه في الواقع يُحدث أضرارًا متقاربة في الخطورة سواء أكانت الصورة سلبية أم إيجابية.
كل ذلك لأنّ الأحكام الكلية والأغلبية سواء أكانت في مجال الشريعة، أم في أي مجال آخر تُعد من أخطر الأحكام، التي لا تُبنى عليها الأفكار المجردة وحسب؛ بل تُعد أصلاً في معرفة ما يُصلح الأمة وما يُفسدها، وما هيّ بحاجة إليه من علوم ومنشآت وخدمات، وما هي في غنى عنه، كما هي ركيزة في التخطيط لمستقبل الأمة والكشف عن حقيقة واقعها.
٤ من ٦