وتجد فيها أن الشغل الشاغل للخطاب السلفي هو مسائل الصفات وبدع القبور والموالد وتكتشف أن الأمر ليس كذلك وتقف فيها على أن الخطاب السلفي منشغل بالجزئيات التاريخية على حساب القضايا الواقعية التي تهم الأمة وتكتشف غير ذلك ويبرز لناظريك أن الخطاب السلفي محارب للعقل ومعاد للتجديد وتكتشف غير ذلك وتجد فيها أن الخطاب السلفي معادِ لطائفة من العلماء ممن ليس داخلا في نطاقه وتكتشف غير ذلك وتجد فيها أن الخطاب السلفي يحرم كل نوع من الاختلاط وتكتشف أن تحريمهم متعلق بأنواع مخصوصة والقائمة التي من هذا النوع طويلة جدا.
والعدل يستلزم كذلك الاعتدال في مقدار الحكم الذي يُوجه إلى المنقود بحيث تكون صورة الحكم متطابقة مع مقدار ما يراه خطأ فلا يزيد عليه ولا ينقص ولكننا نفاجأ بأن الأحكام الموجهة إلى الخطاب السلفي أكبر بكثير مما يذكر من خلل فتجد أحدهم يسرد ما يراه خللا في الخطاب السلفي، ثم يصدر حكمه الجائر فيقول: إنه هو الذي أضاع الأمة، أو أنه هو الذي كرس المشروع الأمريكي في المنطقة، أو أنه سيؤدي لا محالة إلى نتائج كارثية أو أنه هو الذي عرقل تطور الأمة وكان حجر عثرة في طريق تقدمها أو أنه هو الذي أضاع حقوق الناس، وساعد على تكريس الظلم أو أنه هو الذي تنكر للحوار مع الآخر ولم يحترم قوله أو أنه هو الذي أحدث التأزم في المجمع وإذا ما طالعت ما اعتمد عليه في أحكامه تلك تجده لا يخرج عن دائرة المبالغة في التوصيف والتعدي في الحكم!.
ليس خافيا أن من الأصول الكبيرة التي يقوم عليها النقد العادل لأفكار الناس وأحوالهم استصحاب الناقد للموازنات بين الأمور المؤثرة في تحديد قيمة الأقوال والمشاريع.
وهذا أصل عظيم استعمله القرآن في مواطن عديدة كمثل قوله تعالى:(ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤديه إليك .... ) وكقوله تعالى: (ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ... ).
وليس المقصود بهذا الأصل وجوب التلازم الذكري بين المحاسن والمساوئ في كل سياق فليس المراد منه أن يلتزم المرء بذكر إنجازات من ينقده في كل نقد يوجه إليه فهذا المعنى ليس مرادًا وليس هو طريقة القرآن فالقرآن كثيرًا ما يوجه النقد إلى المخالفين من غير أن يشير إلى شيء من محاسنهم.
وإنما المراد بذلك الأصل الاستصحاب الشعوري الذي يستوجب اعتبار حال المنقود، وعدم الغفلة عما قدمه من إنجازات واتصف به من صفات حميدة، وما بذله من جهود صالحة فهذا الشعور يجب أن يستصحبه المسلم في كل ممارسة نقدية لكل أحد.
فهناك إذن فرق بين التلازم الذكري بين المحاسن والمساوئ واستشعار ذلك التلازم فالأول لا يجب في كل حال وإنما هو خاضع للمصالح والمفاسد وأما الثاني فإنه يجب في كل حال ومع كل أحد.
وإذا عاش المسلم ذلك الشعور في نقده فإنه لا محالة سيؤثر في لغته التي يعبر بها عما يراه خطأ، وفي طريقته لبيان نقده وفي كيفية إظهاره وفي مستوى تفعيله له وفي مقدار الحكم الذي يصدره على من ينقده وفي حفظه لحقوقه ومنزلته.