للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترتَّب على بزوغ قرن الفتنة الباطنية ثورات واضطرابات متلاحقة أحدثتْ فوضى عارمة، خاصة حال ما قامت لهم دويلات هنا وهناك، فديدنهم (تصدير الثورة) والدعوة لمبايعة الإمام، فطلع على أفراد الأمَّة آفات لم يدروا لها أصلاً، وصار المرء لا يأمن جاره ولا أخاه، وسرت الإباحية في عقول الشباب كالطاعون، فلم يؤتمن عازب في قريته، بل في بيت أبيه، وفتت انعدام الثقة عُرَى الوحدة الاجتماعية والدينية، فالحركة الباطنية استغلَّت الفقر والفاقة التي كانت ببعض الناس في الخلافة، فعملت على إشباع شهواتهم ممَّا يطلبون دون حدٍّ، فسهُل انقيادهم، وصاروا مصدرًا للرعب والقلق بجماعاتهم من المرتزقة القَتَلَة، فلا يدري الأمير من حرسه مَن هو معه ومَن عليه، ولا يعلم الأب إن كان رأسه سيقطع بيد أي الولدين له، وفي ذلك الزمن وتلك المحنة، قدم عدوٌّ من أوربا، فوجد الأرض تمور بأهلها، والقوم لا يدرون الصديق من الزنديق، ولما غزا التتار الأرض كانوا لهم سندًا وراحوا يسفكون دماء أهل السنة؛ فأبادوا العلماء وذريتهم، حتى أبكوا علينا اليهود والنصارى، وما أشبه الليلةَ بالبارحة! فعمليات الاغتيال والاختطاف وإعدام علماء السنة في عراقنا غالبها فُضِحت فيما بعد، وكان الجناة من الشيعة أذناب إيران، ومن الفيالق العميلة للحرس الثوري الإيراني، بل وزارة الداخلية العراقية رأس عمليات التعذيب والتصفيات وكلها من الشيعة، وتلك الأيام يداولها الله بين الناس، فما يحكى أن ... وقع ويكأن ... الفكر هو هو، والحقد هو هو، غير أن الشخوص تغايرت، أتواصوا به؟

إي وربي، فهؤلاء نسل أولئك، وعلى سيرتهم يسيرون؛ فقديمًا والأمة تذود عن حياضها ضد التتار والصليبيين، ناصَر الباطنية الغزاة، واغتالوا العلماء والأمراء والقادة العسكريين؛ ليفسحوا الأرض للغزاة، ممَّا أربك الصف الإسلامي، ولما احتلَّ الإنجليز أراضي إسلامية من الهند إلى مصر كانوا عونًا لهم، بالفتاوى المبطلة للجهاد، كفتاوى الأغاخانية بالهند، والبَهَرَة في باكستان والبهائية، والبابية في الشام، والصفوية في العراق.

زد على خطَّتهم الحالية في الامتداد البشري في مناطق السنة وجميع القرى والمدن المجاورة، وهذا في سوريا والمملكة السعودية والكويت والبحرين، فهم يتمركزون في مناطق إستراتيجية حسَّاسة للأمن القومي.

وأسوأ الآثار التي ترتَّبت على طلوع قرن الباطنية الشيعة من العراق هو انقسام العالم الإسلامي إلى فئتين: الأولى تقاتل على جبهتين خارجية وداخلية، وهي عامة السنة، والثانية تحالف النصارى والتتار للفتك بأهل السنة، وبعد أن كان للمسلمين خليفة واحد صار لهم أئمَّة شركاء متشاكسون، بل يثيرون النعرات الطائفية سرًّا، ويجهرون بتوحيد الصف علنًا، إذا لقوكم قالوا: آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، وإذا خلوا إلى شياطينهم من النصارى والكفرة قالوا: إنا معكم إنما نحن مستهزئون .. فهم حلفاء النصارى من أيام بني العباس أيام الحروب الصليبية، وأيام الحروب البوشية إلى يومنا هذا (١).

وهذا ما فعلوه مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية السنية لمَّا دخلت القوات النصيرية لبنان، فقد دكوها أولاً، وجعلوا جثث أهل السنة فرجة في قنوات الإعلام (٢)، وما أشبه الليلة بالبارحة!

ختامًا:


(١) انظر تفصيل ذاك في:
- "تاريخ الحروب الصليبية"؛ ستيفن رنسيمان، مج ٢، ص٣٣، ٢٠٦، ٩٤١، ٦٧٥.
- "الحركة الصليبية"؛ سعيد عاشور، ج١، ص٥٥٥، ٥٥٩، ٥٦٠.
- "موسوعة التاريخ الإسلامي"؛ أحمد شلبي، ج٢، ص١٨٩، ١٩٠.
(٢) انظر: "رؤية إسلامية في الصراع العربي الإسرائيلي"، الجزء الثاني "دور الشعوبيين الباطنيين في محنة لبنان"؛ محمد عبد الغني النواوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>