للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشنقيطي: " لعل كل ما نسب إلى هؤلاء الأعلام لم تصح نسبته إليهم لرسوخ أقدام القوم، وأن لهم اليد الطولى في العلم، وإلا فكيف يصح أن يقول مثل هؤلاء: يجوز تولية المرأة في الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) (١). انتهى.

ثم لو ثبت هذا القول عن ابن جرير فإنه لا يلزم منه القول بجواز تولي المرأة منصب القضاء كما يحرص دعاة العصرنة التأكيد عليه، بل غاية ما هنالك أنه يجيز حكمها لو وليت القضاء وحكمت كما أسلفنا في توجيه مذهب الحنفية.

وقد تقدم النقل عن ابن العربي حيث أشار إلى التفريق بين القول بجواز حكمها والقول بجواز توليتها فقال: " ونقل عن محمد بن جرير الطبري أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح ذلك عنه ولعله نقله عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها تقضي فيما تشهد فيه، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها منشور، بأن فلانة مقدمة على الحكم، إلا في الدماء والنكاح، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستنابة في القضية الواحدة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير" (٢).

بل إن هذا لم يكن متصورا حصوله عند المتقدمين، ولذا قال ابن العربي: " فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده". (٣) ثم لو قلنا بثبوته عن ابن جرير أو غيره، فلا عبرة به لأنه شاذ مخالف لجماعة العلماء.

قال الماوردي: " وشذ ابن جرير الطبري فجوز قضاءها في جميع الأحكام ولا اعتبار بقول يرده الإجماع" (٤).

الأدلة على عدم جواز تولي المرأة القضاء:

استدل جماهير أهل العلم على عدم جواز تنصيب المرأة للقضاء بالكتاب والسنة والإجماع:

١ - قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سورة النساء:٣٤]،

وجه الدلالة: أن هذه القوامة عامة، وإذا كان الرجل قيما عليها في حدود الأسرة ففي الولاية العامة من باب أولى.

٢ - وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: لما بلغ رسول صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملكوا عليه بنت كسرى قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) (٥) وجه الدلالة: ظاهر بأمرين:

أولهما: العموم في هذا الحديث، وهو من وجهين:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: ((قوم)) نكرة في سياق نفي فتعم كل قوم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم، " لن يفلح الفرس حين ولوا أمرهم امرأة".

الثاني: العموم في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرهم)) ليعم كل أمر وذلك لأنها نكرة أضيفت إلى معرفة.

ثانيهما: أن نفي الفلاح لا يكون إلا في ترك واجب.

قال الشوكاني: " ولا يحل لقوم توليتها، لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب" (٦).

وقال: " فليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد ورأس الأمور هو القضاء بحكم الله عز وجل فدخوله فيها دخولا أوليا" (٧).


(١) نقلا عن كتاب ولاية المرأة في الفقه الإسلامي (ص: ٢٢٠).
(٢) أحكام القرآن (٣/ ٤٨٢)
(٣) أحكام القرآن (٣/ ٤٨٢)
(٤) الأحكام السلطانية (ص:٦٥) وانظر: ولاية المرأة في الفقه الإسلامي (ص:٢٣٦).
(٥) رواه البخاري، كتاب المغازي، ح٤٤٢٥، مع الفتح (٨/ ١٥٨)، وح ٧٠٩٩، في كتاب الفتن كما في الفتح (١٣/ ٦٧) ورواه الترمذي، أبواب الفتن، ح٧٥.
(٦) نيل الأوطار (٨/ ٦١٧)
(٧) السيل الجرار (٤/ ٢٧٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>