وأشهد أن بعضهم - إن لم أقل كثيراً منهم - قد كتب الكثير من المؤلفات في الطعن على السلف، والنيل من عقيدتهم، والدعوة الصريحة إلى البدعة التي هي أصل الانقسام والفرقة، وما كتب حرفاً واحداً قطّ عن الشيوعية والصهيونية، بل إنّ واقع حاله يدل على أن تضليل - أو تكفير - أئمة عقيدة السلف أولى عنده وأهم من محاربة الشيوعية والصهيونية.
وأخطر من هؤلاء طائفة من القطّاع هالها كساد سوقها، وتكدّس مصنفاتها البدعية، فعمدت إلى أسلوب أمكر وأخبث، وهو انتحال مذهب السلف الصالح ظاهراً، وادعاء أنه ومذهبها سواء، وزعمت أنها بذلك تخدم مصلحة الإسلام، وتسعى لجمع المسلمين، فبعثروا المعالم والمعايير أمام الشباب الحائر، فلم يعد يدري كيف يسير؟!
هذا الأسلوب بدأه الرافضة منذ مطلع القرن العشرين بما أسموه "التقريب بين المذاهب الإسلامية"، ثم تبعتهم الفرق البدعية الأخرى تحت شعار "توحيد الصفوف"، فقدموا للشباب الذهب مع البهرج والحجارة والنحاس، وقالوا: لا بد من صهر الجميع في بوتقة واحدة، ولا عليك إن اخترت منها ما شئت، فالكل يسمى معدناً.
وإن مما يدمي القلب أن كثيراً من شباب الصحوة خدعته هذه الدعاوى الزائفة، وعصبت عينيه عن رؤية الحق الصراح، فتطوعوا بخدمة قطّاع الطريق الماكرين، حتى أن بعض المراكز الإسلامية في الغرب وغيره أصبحت أوكاراً للرافضة وغيرها، وانتعشت البدع والشركيات حتى صرح بعض سدنة الأضرحة أن إقبال الشباب عليهم في زيادة مستمرة، وأن المريدين أخذت أعدادهم في السنوات الأخيرة تتضاعف، وكلما سمعت أو رأيت شيئاً من هذه الظواهر المرعبة أسأل نفسي بحق، هذه الصحوة الإسلامية التي نبتهج ببشائرها، ونتطلع إلى بواكيرها، أهي صحوة فعلاً، أم هي - عياذاً بالله - انتكاسة جديدة إلى موروثات الوثنية الإغريقية، والصوفية الهندية؟
أم أن الخمر المسكرة الوحيدة في نظر بعضنا، هي خمرة الافتتان بالغرب، وأفكاره ونظمه ومن صحا منها، فلا عليه أن يسكر بخمرة الوجد والفناء، أو نبيذ البدع والأهواء، فلا يصحو إلى يوم يبعثون؟!
وأسأل نفسي أيضاً لماذا يرفض الشباب الإسلام الفكرة الواحدة نفسها إن كان سندها - مثلاً -: ماركس عن هيجل عن أرسطو، ويعدها كفراً وإلحاداً، ويقبلها ويتعصب لها - بذاتها - إذا كان سندها: الرازي عن ابن سينا عن أرسطو؟!
أم أن عداوتنا أصبحت كعداوة الثور للون الأحمر فقط، فنعادي الباطل؛ لأنه منقول عن الغرب وأذنابه، لا لأنه باطل يجب معاداته أينما وجد في واقع أنفسنا، أو في صفحات تاريخنا، أو موروثات مجتمعاتنا ومذاهبنا.
واسم الإسلام يطلق على:
١ - المنتحلون لمذهب السلف اسماً، والمخالفون له سلوكاً وفهماً.
٢ - عموم الاسم لكل مسلم لم ينتسب لعقيدة بدعية، وظل على الإيمان المجمل الصحيح، أو أيّاً كان تخصصه العلمي؛ فقيها، محدثاً، لغويا، مؤرخاً، شاعراً، بل العامي من المسلمين يطلق عليه ذلك.
وأما كلمة "أهل السنة والجماعة" فهو مصطلح عزيز، وشعار عظيم، وكيف لا وهو يعبر عن حقيقة الإسلام الصافية النقية التي لا شائبة فيها ولا زيغ، وهو منار وعلم على الفرقة الناجية من أمة الإجابة، تلك الفرقة التي تمسكت بما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وصبرت عليه، وجاهدت في سبيله، فكانوا كما قال بعض السلف: "أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في سائر الملل".
والتفرق والاختلاف من البلاء الذي لم يرفعه الله عن هذه الأمة منذ أن قتلت خليفتها الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ظلماً وعدواناً، كما أشار حديث حذيفة في الفتن التي تموج موج البحر (١).
(١) أخرجه مسلم (١٤٤).