إن مثل هؤلاء الكتبة ممن أمضى قلمه في هدم شرائع الإسلام، والتعدي على حرمات العلم؛ لحري بالعاقل أن يشفق عليهم من أنفسهم، وأن يسعى لتبصيرهم والأخذ بيدهم أو على يدهم؛ قال تعالى: ?أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ? [فاطر:٨]. فهذا دين الله وشرعه، وهو حاميه وراعيه.
ويا ليت شعري فقد أصبح المسلم وهو يحاول أن يأخذ بأيدي هؤلاء للحق، كأنه إنما يعرض لهم الإسلام ويبين لهم حكمه ومحاسنه، وسبْق المسلمين في كثير من العلوم حين استبْقوا دينهم، وحَمَوه وصانوه وعظّموه، وكيف أن أعظم عصور النهضة العلمية للمسلمين إنما كانت مواكبة لأيام عزهم وصونهم لحمى دينهم وامتثالهم لأحكامه، ولو كلف أحدهم النظر في كتب التاريخ الإسلامي لتجلت له الحقائق، التي خضع لها تاريخ العلوم الغربية، فدونت الشهادات بذلك من أيدي المنصفين منهم.
لقد زاوج الإسلام بين العلم والعمل، والحياة والكون، في نظام واحد عجيب، بل كسر الإسلام أصنام الجهل، وحطم أغلال الفكر والنظر، فحث على السير في الكون وتأمل صنع الله وبديع خلقه، وامتن بالتسخير ورغب في البحث والانتفاع، ووعد بتبصير الآيات والشواهد في الآفاق والأنفس، فما أخذت أمة بأسباب العلم والنظر إلا وفتحت لها آفاق من العلم والمعرفة، وإنما كان تخلف المسلمين حين تخلوا عن دينهم، فتولت عنهم دنياهم حين أخلدوا إلى الشهوات وهتك الحرمات.
نحن أمة طريق دنياها بدينها، وهذه سنة الله للإسلام الذي ارتضاه وأكمله وأتمه لنا، فحري بمن امتطى هواه وتمنى على الله الأماني، أن يفتش في نفسه وينظر أين الإسلام من قلبه وبيته وزوجه وولده وعمله وماله وقلمه، ثم ليحتكم إلى الإسلام إن كان عاقلا، وليهتف بالدين إن أراد الدنيا، ولا يعمل معوله في دينه لإقامة دنياه، فتزهده الدنيا ويهلكه الدين، فيخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، قال تعالى: ?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا? [الكهف:١٠٣ - ١٠٤].
وقبل بيان الحكم الشرعي لما نحن بصدده، نذكّر أنفسنا وإياهم بمراقبة الله الذي يحصي الأعمال، ونذكرهم بأن اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل، كما ندعوهم إلى كلمة سواء بيننا وبينهم بأن نحتكم جميعا إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ينظر كل كاتب إلى ما كتب؛ أهو لله أم للنفس والهوى.
نسأل الله أن يهديهم للحق والصواب، وأن يأخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وأن يكفيهم ويكفي المسلمين شر أنفسهم.
وهذا أوان الشروع في بيان الحكم الشرعي للاختلاط، مؤيداً بالدليل الشرعي، مستمداً التوفيق والسداد من العلي القدير:
إن الاختلاط محرمٌ شرعا؛ سواءً في التعليم أو العمل، وسائر الاجتماعات الخاصة والعامة، ولا عهد لأهل الإسلام باختلاط نسائهم بالرجال الأجانب؛ والأدلة على ذلك كثيرة؛ منها:
الدليل الأول:
قول الله تعالى في سورة النور: ?قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ? [النور:٣٠ - ٣١].
فهذه الآية محكمةٌ بينةٌ في بيان مقصدٍ من مقاصد الشارع؛ وهو تزكية المؤمنين والمؤمنات بغض أبصارهم وحفظ فروجهم.