فإذا نظرنا إلى الاختلاط المنظم الذي يراد منه التقريب بين الجنسين ساعات طويلة وشهور مديدة، (وليس مجرد اجتماع في مكان عام لا لبث فيه سوى لحظات يقضي فيها كل حاجته ويمضي) هل هو محقق لهذا المقصد ومتفق معه أو منافٍ له؟
سيكون جواب المنصف: إن هذا منافٍ له أشد المنافاة، حتى قالت إحدى الغربيات: "إن الاختلاط جريمة في حق الإنسانية", والحق ما شهدت به الأعداء.
وقد خلصت دراسة حديثة من جامعة (هارفرد) بأن المدارس النسائية (مقارنة بالمدارس المختلطة) تُحقق أهدافاً تربوية ودرجات عليا في العلوم والقراءة والقيم الذاتية, وتغيب المشاكل السلوكية والعلاقات بين الجنسين، والتخلف عن الحضور وغير ذلك.
وهذا ما يراد لنا أن نكتشفه ولكن بعد التجربة العملية والتضحية بالكثير، مع الإغماض عن التجارب والدراسات الحديثة؛ فضلاً عن اطراح الأحكام الشرعية والآداب المرعية. والله المستعان.
الدليل الثاني:
قول الله تعالى: ?وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ? [النور:٣١].
إن من كمال الشريعة السمحة عدم التفرقة بين المتماثلات وعدم الجمع بين المتنافيات، وكل مسلم صحيح الديانة، مستقيم العقل، سليم القلب؛ يعرف حكم الاختلاط بمجرد تأمله هذه الآية الكريمة.
فهل يظن عاقل أن الشارع الحكيم ينهى المرأة لابسة الخلخال من تحت الثياب أن تضرب برجلها الأرض حتى لا يسمع الرجال حسه، ثم يبيح لها أن تجلس معه وتدرس بجواره مع ما يصاحب ذلك (ولا بد) من سماع صوتها، ورؤية شيء من جسدها، وربما الاحتكاك بها؟ إن الشارع منزّه عن ذلك من غير شك والحمد لله.
الدليل الثالث:
في العلم والتعليم؛ فقد أخرج البخاري (١٠١) ومسلم (٢٦٣٣) من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال, فاجعل لنا يوماً من نفسك. فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: (ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار). فقالت امرأة: واثنتين؟ فقال: (واثنتين).
وهذا يفيد أن مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام في التعليم بلا اختلاط؛ وإلا لما قالت النساء ما قلن.
ولو كان ذلك جائزاً لما تأخر نساء الصحابة عن تلقي العلم، ولما طالبن بمجلسٍ يخصهن به رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهن من هن في الحرص على الخير.
ولذا كان تبويب البخاري رحمه الله على هذا الحديث: (باب: هل يجعل للنساء يوماً على حِدة في العلم).
الدليل الرابع:
في التعليم أيضاً؛ ما أخرجه البخاري (٩٨) من حديث ابن عباس, أن صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال فظن أنه لم يُسمع النساء, وفي رواية: (ثم أتى النساء, فوعظهن وأمرهن بالصدقة ... ). وقد بوّب عليه: (باب عظة الإمام النساء وتعليمهن).
وهذا يدل على أن مجلس النساء متميزٌ عن الرجال وخاصٌ بهن.
الدليل الخامس:
في الصلاة والانصراف منها؛ فقد أخرج البخاري (٨٧٠) من حديث أم سلمة قالت: كان صلى الله عليه وسلمإذا سلم، قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيراً قبل أن يقوم, قال: (نُرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال).
قلت: والقائل هو ابن شهاب، كما في (٨٣٧، ٨٤٩)، وهذا الذي قاله قالته قبله راوية الحديث أم سلمة رضي الله عنها، ففي رواية في صحيح البخاري (٨٥٠) قالت: كان يسلم، فينصرف النساء، فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتبين أن جلوس النبي صلى الله عليه وسلم كان من أجل انصراف النساء قبل الرجال؛ لئلا يؤدي هذا إلى اختلاط الرجال بالنساء.