للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجيب عنه: بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وأن الهواء تابع للقرار كما قرر أهل العلم، ولذا فلو صلى في الطائرة أو وقف بعرفه في الجو صحت صلاته وحجه، ولم يوقت صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت في هذه الأماكن إلا ليتخذ من النصوص قدوة وأسوة لحرمة البيت العتيق سواء كان طريق الحاج براً أو جواً، ثم إن الإتيان متحقق في المرور به مع عقد نية الدخول في النسك، ويصدق على راكب الطائرة أنه مرّ بالميقات إذ لا يشترط في المرور المماسّهَ (١).

ثانياً: ولأن المحاذاة لا يمكن أن تتصور في الجو ولا تنضبط، وكذا في البحر (٢).

وأجيب عنه: بعدم التسليم بل المحاذاة متصورة في الجو والبحر؛ لأن المحاذاة تقريبية، كما يمكن الاحتياط لذلك حتى لايتجاوز الناسك الميقات دون أن يحرم.

ثالثا: ولأنّ في إلزامهم بالإحرام في الجو مشقةً عليهم والمشقة تجلب التيسير (٣). وأجيب: بعدم التسليم بوجود المشقة بل يمكن الإحرام في الجو بيسر، كما أنه يمكن تقديم الإحرام قبل ركوب الطائرة وعقد النية عند المرور بالميقات، وكذا الحال بالنسبة لركاب السفينة بل هي أيسر من الطائرة من جهة السعة وبطء الحركة بحيث يتمكن المحرم من لبس إحرامه بسهولة.

رابعاً: ولأن الحكمة في وضع المواقيت في أماكنها الحالية كونها بطرق الناس وعلى مداخل مكة، وكلها تقع بأطراف الحجاز وقد صارت جدة طريقاً لجميع ركاب الطائرات والسفن ويحتاجون بداعي الضرورة إلي ميقات أرض يحرمون منه لحجهم وعمرتهم، فوجبت إجابتهم كما وقت عمر لأهل العراق ذات عرق، إذ لا يمكن جعل الميقات في أجواء السماء أو في لجة البحر الذي لا يتمكن الناس فيه من فعل ما ينبغي لهم فعله من خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر ما يسن للإحرام، إذ هو ما تقتضيه الضرورة وتوجبه المصلحة ويوافقه المعقول ولا يخالف نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم (٤).

وأجيب: بأن وضع المواقيت في طريق الناس لا يلزم منه أنه كلما استحدث الناس طريقاً وضع لهم ميقات بدون نظر إلى المواقيت المنصوصة ولا محاذاة لها، إذ لو كان كذلك لما صار لتلك المواقيت شرعية، ولم يكن لوضعها كبير أثر، ثم إن تفاوت مسافاتها يدل على مقصد تعبدي تجب مراعاته وربط المواقيت الأخرى بها، كما يدل عليه أيضا حديث عمر المتقدم في توقيت ذات عرق حيث قال "انظروا حذوها" (٥) أي حذو قرن المنازل.

وأما كون الميقات في جو السماء أو لجة البحر فلا إشكال فيه، إذ الشريعة جاءت لكل الأزمان، والله لا يخفى عليه صنع تلك الطائرات والسفن فهو القائل (وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُون) (٦).

وأما خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر سنن الإحرام فإنها تقدم قبل ركوب الطائرة؛ لأنه إذا تعارض عندنا الإحرام قبل الميقات أو بعده فيقدم الإحرام قبل الميقات، ولا ريب؛ لأنه جائز بدون تعارض مع الإحرام بعد الميقات فكيف إذا تعارض (٧).

أدلة القول الثالث:


(١) انظر جواب أحمد محمد جمال وعبد الله البسام في مناقشة المسألة في مجلة مجمع الفقه ٣/ ١٦٣٧
(٢) بحث جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحرية ٣/ ١٦٠٧ من مجلة مجمع الفقه.
(٣) بحث" من أين يحرم القادم بالطائرة جوا للحج والعمرة" لمصطفى الزرقا ٣/ ١٤٣٧.
(٤) المرجع السابق.
(٥) تقدم في أعلى البحث.
(٦) سورة النحل أية (٨).
(٧) ردّ على السالوس على مصطفى الزرقا ٣/ ١٦٤٠ من مجلة مجمع الفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>