للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمر محتمل هذا وهذا، قال العراقي: "وهذا ينبني على أن النهار هل هو من طلوع الفجر أو من طلوع الشمس؟ والمشهور الذي يدل عليه كلام جمهور أهل اللغة وعلماء الشريعة أنه من طلوع الفجر، وقال: على تقدير أن يكون النهار من طلوع الفجر فلا مانع من أن يراد بهذه الأربع الركعات بعد طلوع الشمس؛ لأن ذلك الوقت ما خرج عن كونه أول النهار، وهذا هو الظاهر من الحديث وعمل الناس فيكون المراد بهذه الأربع: ركعات صلاة الضحى" (١).

وأيا كان الأمر فمن أراد أن يحصن نفسه ويحفظها من المكاره يومه فليفعل الأمرين معا إن لم يترجح عنده أحدهما؛ لأن المصلحة عائدة عليه في النهاية.

٨ - التحصن بكلمات الله التامات عند نزول المنازل والأمكنة.

لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نزل أحدكم منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل» (٢).

فدل الحديث أولا: على استحباب التعوذ بصفات الله تعالى عند نزول منزل ما، سواء أكان ذلك المنزل بيتا، أو فندقا، أو سوقا، أو مشفى، أو منتزها، أو شجرة يستضل بها، أو غير ذلك، وسواء أكان ذلك في حال سفر أو إقامة.

ودل ثانيا: على أن من قال ذلك الدعاء بقلب حاضر، وتوجه تام لله تعالى عصم من كل شر، وبقي في حفظ الله وكلائه وحرزه حتى يرتحل من منزله ذلك.

ويشهد لذلك ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: «أما لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك» (٣).

قال المناوي معلقا:" (لم تضرك) بأن يحال بينك وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوّته وضعفه"وما ذاك إلا؛"لأن الأدوية الإلهية تمنع من الداء بعد حصوله، وتمنع من وقوعه، وإن وقع لم يضر" (٤).

٩ - التحصن بالحمد عند رؤية المبتلى في دينه أو بدنه.

لقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا؛ لم يصبه ذلك البلاء» (٥)، وفي رواية: «عوفي من ذلك البلاء كائنا ما كان ما عاش» (٦).

وهذا الحصن بشرى عظيمة، يقوله المؤمن سراً عندما يرى مبتلا في دينه بالمعاصي والفسوق، أو في بدنه بالمرض أو نقص الخلقة؛ ليكتب الله له السلامة والعافية من ذلكم البلاء ما كتب الله له حياة.

قال المباركفوري:"من رأى مبتلى في أمر بدني كبرص وقصر فاحش أو طول مفرط أو عمى أو عرج أو اعوجاج يد ونحوها، أو ديني بنحو فسق وظلم وبدعة وكفر وغيرها، فقال «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا» أي فضلني في الدين والدنيا والقلب والقالب إلا عوفي من ذلك البلاء ... مدة بقائه في الدنيا" (٧).

١٠ - التحصن بالدعاء لدفع البلاء ورفعه.


(١) نيل الأوطار (٣/ ٧٨).
(٢) أخرجه مسلم في الذكر (٢٧٠٨).
(٣) أخرجه مسلم في الذكر (٢٧٠٩).
(٤) التيسير بشرح الجامع الصغير (١/ ٤٥٨).
(٥) أخرجه الترمذي في الدعوات (٣٤٣٢)، والطبراني في الصغير (٥٣٢٤)، وصححه الألباني في الصحيحة (٦٠٢).
(٦) أخرجه ابن ماجة في الدعاء (٣٨٩٢)، والترمذي في الدعوات (٣٤٣١)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (٢٧٢٩).
(٧) تحفة الأحوذي (٩/ ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>