للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الله تعالى:"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [البقرة:١٨٦]، وقال سبحانه:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" [غافر:٦٠]، وقال عن أيوب عليه السلام:"وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ " [الأنبياء: ٨٣ - ٨٤].

إن الدعاء أمضى سلاح في دفع البلاء قبل نزوله، وفي تخفيفه أو رفعه بعد نزوله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» (١).

ودلالة الحديث ظاهرة في أثر الدعاء، وأنه ينفع مما نزل من المصائب والمكاره وسائر أنوع البلاء ومما لم ينزل منها.

قال ابن القيم:"والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل ... وله مع البلاء ثلاثة مقامات:

أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.

الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا.

الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه" (٢).

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يرد القدر إلا الدعاء» (٣)، وهذا الحديث - إضافة إلى سابقه وما في معناهما - يفتح باب الأمل في دفع المكاره المتوقعة أو المحذورة، ومعناه: أن الدعاء سبب من الأسباب التي يستدفع بها البلاء، كما أنه سبب من الأسباب التي يستجلب بها الخي.

وكان بعض السلف يقول:"ما وجدت للمؤمن مثلا إلا رجلا في البحر على خشبة، فهو يدعو: يا رب يا رب .. لعل الله ينجيه" (٤).

فلنقل: يا رب نجنا من المكاره .. يا رب نجنا من البلايا .. يا رب نجنا من الأوباء.

وإياك ثم إياك أن تقل هذا مطلب كبير، فإنا نطلب الله ما هو أكبر من ذلك وأعظم .. ومن ذلك إنزال الغيث إذا أجدبت الأرض وأمسكت السماء فيستجيب لنا!

وإن لنا في دعاء القنوت لعبرة!!

وكلما كان الدعاء عن حاجة واضطرار، وكان في أوقات الإجابة، وكان خاليا من الموانع كان أحرى بالقبول والإجابة.

١١ - التحصن بالقنوت.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء النص على مشروعية القنوت لدفع الوباء ورفعه كونه من النوازل، وقد خالف آخرون، قالت اللجنة "القنوت في الفجر غير مشروع إلا في حالة النوازل، كحلول الوباء، أو حصار العدو للبلاد، أو تسلطه على المسلمين، ففي هذه الحال يشرع القنوت في صلاة الفجر وغيرها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك" (٥).

وللعلماء كلام متفرق في الطاعون والوباء، وفيه تفريعات تستحق البحث والدراسة.

١٢ - التحصن بالدعاء للغير بظهر الغيب.

لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل» (٦).


(١) أخرجه الطبراني في الأوسط (٢٤٩٨)، والحاكم في المستدرك (١٨١٣)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٧٧٣٩).
(٢) الجواب الكافي (ص٢٢).
(٣) أخرجه الترمذي في القدر (٢١٣٩)، والطبراني في الكبير (١٤٤٢)، والحاكم في المستدرك (١٨١٤)، وحسنه الألباني في الترغيب والترهيب (١٦٣٨).
(٤) شعب الإيمان للبيهقي (٢/ ٣٩).
(٥) فتاوى اللجنة (٣١/ ٣٩٢).
(٦) أخرجه مسلم في الذكر (٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>