للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صفوان: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء، فقالت أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم، قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل» (١).

وهذه غنيمة باردة، لا تحتاج منا إلى كثير جهد وعناء، وإنما فقط أن نتذكر إخوتنا في الدين أو النسب فندعوا لهم بالسلامة والعافية وبما نحب من الخير، وندعوا لهم ولذراريهم على وجه الخصوص بالنجاة من الأمراض والأوباء المعدية وخاصة ما يشغل بالنا هذه الأيام، فإن فعلنا ذلك بصدق وإخلاص استجاب الله دعاءنا فيهم، واستجاب دعاء الملك فينا بمثل ما دعونا لهم به؛ لأن دعاء الملائكة مجاب.

وخلف هذا الدعاء من الثمرات الخاصة والعامة الكثير والكثير لمن تبصَّر، فليكن لنا منه أوفر النصيب.

١٣ - التحصن بدعاء ذي النون.

هو من ضمن الأدعية التي تدفع بها المكاره وترفع بإذن الله، وإنما أفردته لأهميته، وفيه جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من بلايا الدنيا دعا به يفرج عنه؟ فقيل له: بلى فقال: دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» (٢).

قال الإمام الشافعي:"أحسن ما يداوى به الطاعون - ومثله سائر الأوباء - التسبيح، ووجهه أنه يدفع العذاب، قال تعالى:"فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" [الصافات: ١٤٣ - ١٤٤] " (٣).

١٤ - التحصن بدعاء إذهاب الهم والحزن.

لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجِلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحا» قالوا: يا رسول الله، ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات، قال: «أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن» (٤).

والهم والغم والحزن أمراض باطنة، تستوعب جميع أقسام الزمن المستقبل والحاضر والماضي، وهي مما ينغص العيش، ويكدر الخاطر، وهذا الدعاء يذهبها؛ بل يقلبها فرحا.

والأمراض الفاتكة، والأوبئة المعدية، والعلاجات غير الموثوقة، أو ذات الأضرار الجانبية هي مما يشغل البال، ويجلب الهم، والهم معوق، وقد يقلل الإنتاج ويعطل عن العمل، فيرجى أن يكون في هذا الدعاء بلسما وشفاء لمن تحصن به، فيكفيه الله شر ما أهم، ويبدله مكان همه وغمه فرحًا.

وقد بسط ابن القيم الكلام على هذا الحديث في غير ما كتاب من كتبه، وتكلم عليه بكلام نفيس.

١٥ - التحصن بسؤال الحسنتين.

أي سؤال حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، وهو" طلب العافية في الدارين" (٥).


(١) أخرجه مسلم في الذكر (٨٨).
(٢) أخرجه النسائي في الكبرى (١٠٤٩١)، والحاكم (١٨٦٤)، وصححه الألباني في الصحيحة (١٧٤٤).
(٣) الفتاوى الكبرى الفقهية (٤/ ٢٨).
(٤) أخرجه أحمد (٤٣١٨)، وابن حبان (٩٧٢)، والحاكم (١٨٧٧)، وصححه الألباني في الصحيحة (٣٥٢٨).
(٥) اللباب في علوم الكتاب (٣/ ٤٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>