للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحري بالمسلم أن يحتمي بمن له القدرة التامة على حمايته من سائر الأمراض السيئة التي لا طاقة له بها، ولا قدرة له عليها، ومنها الأوبئة الفاتكة كوباء الخنازير في وقتنا.

١٨ - التحصن بالله من سيء الأسقام.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، ومن سيء الأسقام» (١).

والمعنى: التجئ إليك يا الله، وأعتصم بك، وأحتمي من هذه المكروهات، ومن سائر الأمراض والعلل السيئة أن تصيبني فامنعني منها، ونجني من شرها.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأهواء، والأدواء» (٢).

أي: باعدني عن المنكرات المذكورة، ومنها الأدواء،"وهي الأسقام المنفرة" (٣)، كالتي مرت في الحديث الآنف.

١٩ - التحصن بكثرة الاستغفار.

فإن الاستغفار سبب إلى الحياة السعيدة الهانئة الخالية من المنغصات والمكدرات، ولك أن تتأمل ما يأتي من الآيات، وأن تعود إلى تفسيرها لترى ما ينشرح به صدرك.

قال تعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً" [نوح: ١٠ - ١٢]، وقوله عز وجل: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ" [هود: ٣]، وقال سبحانه: "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ" [هود: ٥٢].

فدلالة هذه الآيات على الوقاية من الأمراض والمكروهات وسائر الآفات استنباطية، إذ إن ظفرك بمطر السماء، وإمدادك بالأموال والبنين، وامتلاكك البساتين الجارية بالأنهار، وزيادة قوتك قوة، وإمتاعك متاعا حسنا يستلزم بقاءك وحمايتك من المهلكات؛ لتصدق فيك معاني الآيات إذ صدقت في الاستغفار.

فليكن لنا نصيب من الاستغفار، وليكن لنا من سيده أوفر النصيب، ولنتذكر أن الاستغفار المثمر هو ما تواطأ عليه القلب واللسان، مع الإقلاع عن الذنوب والآثام، والندم على فعلها، والعزم على هجرها وعدم العودة إليها، ومتى ما نقضنا العهد أو كبونا فلنعد إليه مرة أخرى بشروطه.

٢٠ - التحصن بالتصالح مع الله تعالى والرجوع إليه.

فإن الذنوب هي الأصل فيما يصيب الناس من المكاره، ولنتأمل قول الحق تعالى: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" [الشورى: ٣٠]، فالله تعالى يخبر"أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم، وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو الله عنه أكثر، فإن الله لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون."وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً" [فاطر: ٤٥] " (٤).


(١) أخرجه أحمد (١٣٠٧٠)، والحاكم في المستدرك (١٩٤٤)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١٢٨١).
(٢) أخرجه ابن حبان (٩٦٠)، والطبراني في الكبير (١٥٣٧٩)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١٢٩٨).
(٣) سبل السلام (٧/ ١٧٨).
(٤) تيسير الكريم الرحمن (٧٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>