للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [الروم:٤١]، يقول ابن سعدي في تفسيرها:"استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها" (١).

وفي الحديث: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا» (٢).

والطريق إلى العودة ودفع المكاره عموما أو رفعها يكون بالإيمان الصحيح، والتقوى والأعمال الصالحة، كما قال الله: - عز وجل - " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ " [الأعراف: ٩٦].

٢١ - التحصن بالصدقة.

وهي من الإحسان المتعدي إلى الغير، وبها تدفع الأمراض والمكاره وترفع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة» (٣)، فإذا كانت الصدقة ترفع المرض بعد وقوعه، فمن باب أولى أن تدفعه قبل وقوعه، فإذا ما بذل الإنسان صدقة من طعام أو كساء أو نقود وما أشبه ذلك للمحتاجين بنية دفع البلاء أو رفعه، فيرجى له الظفر بما نوى.

قال المناوي: "أمر بمداواة المرضى بالصدقة، ونبه بها على بقية أخواتها من القرب، كإغاثة ملهوف، وإغاثة مكروب، وقد جرَّب ذلك الموفقون، فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسيَّة، ولا ينكر ذلك إلا من كثف حجابه" (٤).

وقال صلى الله عليه وسلم: « ... وآمركم بالصدقة، ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقربوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم، وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه» (٥).

ففي الصدقة نجاة من الكروب والمكاره، قال ابن القيم: "إن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو من ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به؛ لأنهم جرَّبوه" (٦).

والشواهد من الواقع المحسوس على تأثير الصدقة في رفع البلاء كثيرة جدا، أذكر واحدة وأتجاوز البقية للاختصار، ذكر ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر: "أنه تقرّح وجه أبي عبد الله الحاكم قريباً من سنة، فسأل أهل الخير الدعاء له فأكثروا من ذلك، ثم تصدق على المسلمين بوضع سقاية بنيت على باب داره وصب فيها الماء، فشرب منها الناس فما مر عليه أسبوع إلا وظهر الشفاء وزالت تلك القروح، وعاد وجهه أحسن ما كان" (٧).

٢٢ - التحصن بصنائع المعروف.


(١) تيسير الكريم الرحمن (٦٤٣).
(٢) أخرجه ابن ماجة في الفتن (٤٠١٩)، والحاكم (٨٦٢٣)، والبيهقي في الشعب (٣٣١٥)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٧٩٧٨).
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير (١٠٠٤٤)، والبيهقي في السنن الكبرى (٦٨٣٢)، وجاء عند غيرهما بروايات وزيادات لا تصح، أما هذا الحديث فحسنه الألباني في صحيح الجامع (٣٣٥٨)، وقال في صحيح الترغيب والترهيب (١/ ١٨٢):"حسن لغيره ... رواه أبو داود في المراسيل ورواه الطبراني والبيهقي وغيرهما عن جماعة من الصحابة مرفوعا متصلا والمرسل أشبه ".
(٤) فيض القدير (٣/ ٥١٥).
(٥) أخرجه الترمذي في الأمثال (٢٨٦٣)، وابن حبان في التاريخ (٦٢٣٣)، والحاكم (١٥٣٤)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٨٧٧).
(٦) الوابل الصيب (ص٤٩).
(٧) الزواجر (١/ ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>