للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقوله صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والآفات، والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة» (١).

ودلالة الحديث ظاهرة في كون فعل الخير وإسداء الجميل إلى الناس ـ سواء أكانوا أبرارا أم فجارا ـ يحفظ صاحبه من مصارع السوء ويردها عنه، فإن الجزاء من جنس العمل.

قال العامري:"المعروف هنا يعود إلى مكارم الأخلاق مع الخلق، كالبر، والمواساة بالمال، والتعهد في مهمات الأحوال كسد خلة، وإغاثة ملهوف، وتفريج مكروب، وإنقاذ محترم من محذور، فيجازيه الله من جنس فعله، بأن يقيه مثلها، أو يقيه مصارع السوء عند الموت" (٢).

وقد فسرت الآفات بأنها العاهات، وهي البلايا التي تصيب الزروع والمواشي والناس، ومنها الموت، والمرض، والمصائب، والحزن، والغم، والتعب، والكدر، والحمى، والصرع وغيرها (٣)، وفسرت الهلكات، بأنها السنون الجدبة، لأنها مهلكة (٤).

والحكايات في الباب كثيرة أكتفي بواحدة ذكرها الشيخ عطية محمد سالم، قال:"سمعت منذ أسبوع مضى: أن امرأة وقعت في دبل العين ـ والذي أخبرني حي يرزق ـ فانخسف بها الدبل، وسقطت في الأرض ولم تستطع أن تخرج، ومكثت خمسة عشر يوماً لا يعلم بها أحد، وقد كان لها غنم تعطي عجائز بجوارها من لبنها في طاسة من النحاس، فمر شخص يمشي على ظهر الدبل فسمع صوتاً، فنادى فأجابته فأخرجوها، فسألوها كيف كنت تعيشين؟ قالت: طاسة الحليب التي كنت أعطيها العجائز اللاتي بجواري، كانت تأتيني كل يوم!! " (٥).

فمتى سنحت لك الفرصة مع الإمكان لصنع معروف فبادر إليه ولا تتأخر، فيوشك أن تجد جميل صنعك أحوج ما تكون إليه.

٢٣ - التحصن بالاستيداع.

لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا استودع شيئا حفظه» (٦).

فيستودع الإنسان ربه نفسه وأهله وولده وكل شأنه؛ "لأن العبد عاجز ضعيف، والأسباب التي أعطيها عاجزة ضعيفة مثله، فإذا تبرأ العبد من الأسباب وتخلى من وبالها، وتحلى بالاعتراف بالضعف، واستودع الله شيئا فهذا منه في ذلك الوقت تخلى وتبرى من حفظه ومراقبته، فيكلأه الله ويرعاه ويحفظه والله خير حفظا" (٧).

وعليه فما أجمل أن تقول المرأة لزوجها وأولادها عند الخروج من المنزل: أستودعكم الله، وما أجمل أن يقول الوالد لأولاده عند إنزالهم مكان تعليمهم أستودعكم الله، وبالجملة ما أجمل أن تتبادل الأسرة هذه الكلمة المباركة فيما بينها؛ ليحرسهم الله ويحفظهم مما يكرهون.

٢٤ - التحصن بركعتين تقي من مخرج السوء ومثلها من مدخله.

لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين تمنعانك مخرج السوء، وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء» (٨).

والمعنى إذا أردت الخروج من بيتك فصل ركعتين بهذه النية، تكون لك حرزا من الشر، وإذا دخلت كذلك.

٢٥ - التحصن بماء زمزم.


(١) أخرجه الحاكم في العلم (٤٢٩)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٣٧٩٥).
(٢) فيض القدير (٤/ ٤٤٢).
(٣) انظر: مختار الصحاح (١/ ٢٠)، وإكمال المعلم (٥/ ٩٢)، والنهاية في غريب الحديث (٢/ ٦٢١)، والأنوار الساطعات لآيات جامعات (١/ ٣٧٢).
(٤) المحكم والمحيط الأعظم (٢/ ١٣٧).
(٥) الأربعين النووية/ عطية محمد سالم، درس (٥١).
(٦) أخرجه ابن حبان (٢٦٩٣)، والبيهقي في شعب الإيمان (٣٣٤٢)، وصححه الألباني في الصحيحة (٢٥٧٤).
(٧) فيض القدير (٢/ ٥٠٦).
(٨) أخرجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>