للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي هذه الهيئة (١) من التشبه بأهل الفساد ما يجعل عملهم هذا محظورا في الشرع، ولو كان ما ينشد مباحا، قال أبو حامد الغزالي (٢) - رحمه الله -:"لو اجتمع جماعة وزيّنوا مجلسا وأحضروا آلات الشرب وأقداحه، وصبوا فيها السكنجين (٣)، ونصبوا ساقيا يدور عليهم ويسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويحيي بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم، حرم ذلك عليهم، وإن كان المشروب مباحاً في نفسه؛ لأن في هذا تشبها بأهل الفساد".

٦ - إن قُصد من النشيد - إلقاء أو سماعا - الإطراب، فإنه من مقاصد الغناء المحظور، وليس من مقاصد النشيد المباح (٤).

والإطراب واللذة تقعان في الأناشيد الزُهدية الحماسية، التي لا تقتضي معانيها اللذة والطرب، وذلك - أي الطرب - يكون من جهة ألحان النشيد المطربة، مثل أن تنشد القصيدة الزهدية:

" يا ساكن القبر عن قليلي ماذا تزودت للرحيل؟ "

أو: "يا نفس توبي فإن الموت قد حان واعص الهوى فإن الهوى ما زال فتّانا"

بألحان لذيذة مطربة لاسيما مع طلبها وحبها، وتكرار سماعها من غير اتعاظ.

قال ابن القيم (٥) - رحمه الله -:"سماع الأشعار التي تتضمن إثارةً في القلب من الحب، والخوف، والرجاء، والطلب، والأنس، والشوق، والقرب، وتوابعها، صادف من قلوب سامعيها حبا وطلبا، فأثاره إثارة ممتزجة بحظ النفس، وهو نصيبها من اللذة والطرب الذي يحدثه السماع، فيظن تلك اللذة والطرب زيادة في صلاح القلب وإيمانه وحاله الذي يقربه إلى الله، وهو محض حظ النفس".

٧ - في حال تضمن النشيد (آهات) المغنيين، الذين يتفننون في أدائها وإتقانها على أوجه كثيرة، من التطويل والتقصير والتفخيم والترقيق، وغير ذلك مما يتقنه أهل اللحن.

٨ - في حالة تضمن النشيد كلمات أهل الغناء الخاصة بهم، كـ"يا ليل، يا عين" فإن هذا يوجب التذكير بأغانيهم المحرمة، والتشبه بهم، وكلاهما محظوران في الشرع.

٩ - المد الفاحش في كلمات النشيد على نحو مد أهل الغناء، وتقييده بالفاحش هنا؛ ليخرج المد غير الفاحش في كلمات الشعر وإنشاده، فإنه يُباح، ودليل إباحته ما رواه البراء بن مالك في قصة حفر الخندق: ( ... فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل التراب، ويقول - صلى الله عليه وآله وسلم -: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا، وإن أرادوا فتنة أبينا، قال: ثم يمد صوته بآخرها) (٦).

١٠ - الاشتغال بالنشيد وسماعه في كل وقت وحين، كنحو اشتغال أهل الغناء بغنائهم.


(١) [بمجموعها لا بوصف واحد منها، كالاصطفاف وحده، أو الزي الموحد وحده مثلاً.]
(٢) إحياء علوم الدين (٢/ ٢٧٢).
(٣) [فارسي مُعرّب، أصلها: سركا اتكبين، أي: خل، وعسل، وهو دواء مزيج من الخل والعسل، يُضاف إليهما مواد طيبة، ثم أُطلق على كل شراب مركّب من حلو وحامض (مُعجم الألفاظ الفارسية المعربة للسيد أدي شير ص: ٩٢، الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب لابن القديم ص: ٨٢٥).]
(٤) انظر: الاعتصام، الشاطبي (١/ ٣٤٦ - ٣٤٨).
(٥) الكلام على مسألة السماع (١٣٩ - ١٤٠) بتصرف.
(٦) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، انظر: الفتح (٧/ ٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>