للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه مخالفة هذه الهيئة للصفة المشروعة في أمور، منها: الجهر بالذكر، ورفع الصوت به في غير محله، ومنها تلحين الذكر وتنغيمه، ومنها أداؤه جماعة بصوت واحد، وهذه الأوصاف الثلاثة مخالفة للهيئة المنقولة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، والعبادات مبناها على التوقيف، والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في: كيفيتها، وسببها، وجنسها، وقدرها، وزمانها، ومكانها (١).

ومن جهة المعقول: فإن تلحين كلمات الذكر وتمطيطها سبيل إلى تحريفها، وتغيير معانيها، وكأن تنشد كلمة التوحيد بلفظ ( ... موحامد رسول الله)؛ ولهذا كره الإمام أحمد - رحمه الله - القراءة بالألحان، وقال الإمام لمن تعجب من ذلك:" ما اسمك؟

قال: محمد.

قال: أيسرك أن يقال لك: موحامد"؟ (٢)

٢٤ - تلحين الأدعية بطريقة التمطيط الفاحش، على نحو صنيع مبتدعة الصوفية في الابتهالات والتواشيح الدينية، فإنه مُحدث في الدين، وكل مُحدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة!

ومن جهة المعقول: فإن سؤال الله - عز وجل - ودعائه بطريقة التمطيط والتلحين الفاحش ممقوت، وغير مناسب لحال السؤال والتذلل، فلو أن رجلا دخل على صاحب سلطان فقال له:"ياآآيها السلطآآن هآب لي ... " على طريقة التمطيط المعهودة هنا، أتراه محسناً في تقديم طلبه؟ أم تراه مقدرا لصاحب السلطان ومعظما له؟!

٢٥ - أن يقترن بالنشيد الأصوات المطربة التي هي دون الآلات، كالتصفيق والصفير، والضرب بالقضيب والأرجل، على وجه الطاعة والقربة، وترقيق القلوب وإصلاحها، فلهؤلاء نصيب ممن قال الله فيهم:"وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً" (الأنفال: ٣٥) والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، كذا قاله غير واحد من السلف (٣).

٢٦ - أن يقترن بالنشيد ضرب الدف، على وجه الطاعة والقربة، وترقيق القلوب وإصلاحها، ففعل ذلك من البدع المُحدثة، المتفق على تحريمها، وليس من جنس اللهو المختلف في حكمه بين الفقهاء،" سئل الفقيه الشافعي تقي الدين السبكي - رحمه الله - عن الرقص والدف وعن حضور السماعات؟

فأجاب عنه بقوله:

واعلم بأن الرقص والدف الذي ... سألت عنه وقلت في أصوات

فيه خلاف للأئمة قبلنا ... شرح الهداية سادة السادات

لكنه لم تأت قط شريعة ... طلبته أو جعلته في القربات

والقائلون بحلّه قالوا به ... كسواه من أحوالنا العادات

فمن اصطفاه لدينه متعبدا بحضوره فاعدده في الحسرات (٤)

٢٧ - جعل الأناشيد الملحنة المطربة من الأمور المستحبة أو الواجبة، فإنه لا يجور لأحد أن يعتقد أو يقول عن عمل: أنه قربة، وطاعة، وبر، وطريق إلى الله واجب أو مستحب، إلا أن يكون مما أمر الله به، أو رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - والأناشيد الملحنة المطربة - أيّاً كانت معانيها - ليس مما أمر الله به، ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -" (٥).


(١) انظر: دروس وفتاوى من الحرم المكي، الشيخ محمد العثيمين (٣٢ - ٣٥).
(٢) انظر: زاد المعاد (١/ ٤٨٩).
(٣) نزهة الأسماع، ابن رجب (ص ٨٣) بتصرف.
(٤) كف الرعاع، ابن رجب الهيتمي (ص: ٨٣).
(٥) مجموع فتاوى ابن تيمية (١١/ ٤٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>